السلام عليكم....... لا يختلف اثنين من الباحثين في الشؤون الدّوليّة عامّة، و في شؤون منطقة الشّرق الأوسط خصوصا، في ارتفاع شعبية حزب الله بين مختلف شعوب المنطقة، سواء كانوا عربا أو غير عرب، من فرس و أتراك و أكراد و غيرهم، سواء كانوا من دول ما يسمّى بالطوق، أو من بقيّة دول العالم، بقطع النّظر عن قطر الدّائرة التي توجد فيها هذه الدّول و التيّ يتمركز فيها لبنان. وهذه الشّعبية في نظري لها ثلاثة ركائز ثابتة غذّتها أحداث متطوّرة تداخلت فيها ثّوابت مع مصالح متغيّرة .... و أولى الرّكائز الثّابتة هي عدالة القضيّة التي تأسس عليها الحزب، و يناضل من أجلها إلى ساعتنا هذه، حيث أنّه نشأ و لا يزال على تحرير أرض من عدوٍّ مغتصبٍ، له من شهادات القتل و التقتيل ما يُغني عن وصفه، و أقصد هنا الكيان الإسرائيلي . و ثانيها، صموده أمام هذا العدوّ الذي يمتلك ترسانة أسلحة تتطوّر كلّ ثانية، و يستندُ إلى مخازن مددٍ سياسيّ و استراتيجي و ماليّ تبدأ في أكبر دولة في العالم و هي الولاياتالمتحدة الأمريكيّة، مرورا بأفلاكها من باقي الدّول المصنّعة للتّكنولوجيا و المتحكّمة في الاقتصاد العالمي، وُصولا إلى الدّول التي تخدم هذا الكيان بعمى، سواء كان إرضاءً لتلك الدّول القويّة لضعف في شخصيتها الاعتباريّة، أو لتقاطع مصالحها معها و عدم اكتراثها بمواضيع الحقوق و المبادئ في سياساتها العامّة الخارجيّة. هذا الصّمود الذي تطور في بعض الفواصل إلى انتصارات، لعلّ أكبرها دحر الصهاينة من جنوب لبنان، و خروجه سليما إن لم أقل أقوى من حرب الثّلاثة و الثلاثين يوما. أما ثالثها، فهو ما أدعوه هذه الأيام بغريب السّياسة، و الذي لم ألحظ له أثرًا في التاريخ القديم و الحديث والمعاصر،سوى في أيّام الدولة الإسلاميّة المزدهرة الحضارة و القوّة، سواء في عهد مؤسسها الرسول صلى اله عليه و سلّم، أو في عهد خلفائه الراشدين من بعده، أو في عهد القادة أو الزعماء الذين طبقوا أوامر الله كلّها في السّلم و الحرب، فعُرفوا بالنزاهة في الحكم عبر التاريخ، بشهادة أعدائهم قبل أحبّائهم، و منهم ” عمر بن الخطاب” و “عمر بن عبد العزيز” و “صلاح الدين الأيوبي” و القائمة هنا قصيرة غير طويلة ... و أقصد بغريب السياسة هذا... الصدق و المصداقية في الأداء السياسي، إذ من المعروف أن السّياسة منذ بدأت في التّشكّل كنشاط إنساني فردي، قد انطبعت بالخديعة و اللؤم و المكيدة و الذمّ، حتى أن “ميكيافيلي” عندما نصح أميره بنصائحه المشهورة و التي يمكن اعتبارها تجسيم صريح لهذه الأفعال و الصفات، إنما ثبّت تصرفات معروفةٍ منذ قدم التاريخ إلى عصره و إلى ما بعد عصره. و بالعود إلى حزب الله اللبناني، فإنّ ركيزته الثالثة هذه، هي التي زادت من شعبيته، بل إن مصداقيته الإعلامية الحربية، و الدعائيّة السياسية يعترف بها من أوّل من يعترف بها عدوّه الذي يُناقره حربَ وجود و عقيدة و منهج في الحياة، و هو أعقد مستويات العداوة التي قد تنشأ بين فرقاءٍ في الجنس البشري، ثقةٌ تظهر جليّا في أحيان، و على استحياء و مداراة و مراوغة أحيانا أخرى، فالصهاينة في وسطهم العام و في وسطهم الأكاديمي، أي في مراكز الدراسات التي تنشر كل فترةٍ نتاج أعمالها هنا و هناك،يأخذون الأخبار الصحيحة منه، و ثقة به، و بما يردُ منه، و لو في أيام النزال... مع ما يمكن أن يخالطها من بثّ أخبار و إشاعات تصنّف منطقا ضمن أدوات الحرب، و لا يصدّقون تلك التي تبثّها وسائل إعلامهم، و تصريحات سياسييهم، و يتعاملون معها بريبة ظاهرة. بل و أكثر من ذلك فقد و جدتُ في أثر عديد مراكز الدراسات الغربية و أنا أعدّ هذا المقال، كمركز” كارنجي للسلام” و مؤسسة “معهد دراسات الشرق الأوسط ” ما يدلّ على أن هؤلاء يعترفون بمصداقية هذا التنظيم أو لأقل يعترفون بأن له من ما سمّيته بغريب السياسة الكثير في أدبياته. و تظهر مصداقيّته كذلك في ملعب لبنان الداخلي، خاصّة في تعامله بما يمكن أن أدعوه الأخلاق في تعاطيه مع جماعة 14 آذار، و المتّهمين في نظر العديد من المتتبّعين للشّأن اللبناني خاصّة و لشأن الشرق الأوسط عامّة بالعمالة للمشروع الأمريكي و من ورائه الصّهيوني في المنطقة، أخلاق تمظهرت في منهج طرق لأفكاره، و لطريقة طرحها، و في عدم الّتبجّح بعضلاته التي لا ينكرها عليه أيّ أحد...كذلك في تنازلاته التي يعلن عنها في أحيان كثيرة مثل تلك الخاصّة بتوزيع الحقائب الوزارية التي تمّت مؤخرا عند تشكيل حكومة ميقاتي الأخيرة، و هنا أذكّر أن الحكومات المتتالية على لبنان و منذ تأسيس هذا الحزب، لم يمانع فيها أيّ طرف سياسيّ من غرمائه التقليديين، بتولّيه الوزارات ذات الصّناديق الماليّة المباشرة كوزارة العمل و وزارة الشؤون الاجتماعية، لتوافقهم على نظافة يد الوزراء المنتسبين له، و هذه في حدّ ذاتها شهادة صامتة لوجود الأخلاق و المصداقيّة في العمل السياسيّ لدى هذا الحزب. إلاّ أن هذه الشعبية بدأت تنحسر منذ قيام الثورة الشعبية السلمية السورية على نظام بشار الأسد، لسبب بسيط هو اصطفاف الحزب مع النظام ضدّ مطالب الشعب، ليمارس بصراحة ازدواجية في الثابت و كيل بمكيالين في الحاضر من الأحداث... حيث أننا تعوّدنا على بيانات الحزب و خطاباته المدوّية المناصرة لثورات تونس و مصر و البحرين و اليمن و ليبيا ، و بأنّه يدعم تطلع هذه الشعوب للتحرّر من ديكتاتورية و استبداد حكّامهم الذين تجاوزوا مدّة صلوحيّتهم حيث أنهم يوغلون في القدم إلى ما يتجاوز العشرين و الثلاثين سنة في الحكم. و لم نره يناصر نفس المبادئ التي نادى بها السوريون في انتفاضتهم على أسدهم النعجة – و هنا أستعمل الإسم الحقيقي لعائلة الأسد عند تولّي أب الرئيس الحالي السلطة بانقلاب عسكريّ و هو النعجة – و جهازه القمعي، الذي يتداخل فيه الجيش بالشرطة ب “الشبّيحة” و هم سافلة القوم في المجتمع السوري. و لعلّي لم أجد عذرا لهذا الموقف سوى أنّ حزب الله لا يمكن له أن يتنفّس أبدا بغير وجود نظام في سوريا يتحالف معه و يكون مقتنعا بأنهما يقاتلان في خندق واحد عدوّا واحدا، الشيء الذي يوفّره نظام الأسد منذ قيام الحزب إلى يومنا هذا، فالمتطلّع إلى خريطة المنطقة يدرك جيّدا أن حزب الله دون دعم سوريا، كمن نزعتَ منه رئتاه و أنفه و جهاز التنفس الاصطناعي الذي يمكن أن يستعمله... و هنا مربط فرس الحكاية ... هل يستطيع صادق أن يماري الحقيقةَ إذا قابلت قضاء ندبه؟