إن قرار منع بيع الدجاج الحي ليس بالقرار الجديد… وإنما هو قرار قديم تم اتخاذه منذ 2005 وكان يهدف إلى غلق كل دكاكين بيع الدجاج الحي وذلك تحت شعار حماية صحة المواطنين بتعلة أن دكاكين بيع الجاج الحي هي دكاكين غير مؤهلة لذلك وتذبح الدجاج في ظروف غير صحية وأنها غير قادرة على توفير كل ما يضمن قواعد الصحة لمنتوجاتهافي غياب المراقبة الصحية اللازمة… وقد تم تهديد أصحاب المداجن التي تقوم ببيع منتجاتها إلى فائدة باعة الدجاج الحي بحرمانها من "الفراخ" وأنها لن تزود إلا المداجن التي تلتزم ببيع كل انتاجها لفائدة المذابح المنظمة… ولكن ما الذي جعل وزير الفلاحة سي "سمير" يعود ليخرج هذا القرار القديم من رفوف وزارته ليضعه من جديد على الطاولة ويطالب بإعادة تفعيله بعد أن تم التغاضي عنه لفترة طويلة من الزمن بسبب موجة الرفض التي جوبه بها في تلك الفترة الماضية عند صدوره وبسبب ما شهدته البلاد من انفلات للأوضاع إبان السنوات الماضية التي تلت اندلاع الثورة…؟؟؟ هل أن هاجس الوزارة والدولة حقا هو صحة المواطن التونسي؟؟؟ أم أن الأمر مرتبط بمصالح اقتصادية ومادية مرتبطة بالشركات العملاقة المهيمنة على النسبة الأكبر من قطاع الدواجن؟؟؟ والتي ترغب في احتكار القطاع برمته لصالحها والتحكم فيه بشكل تام؟؟؟ هذا هو مربط الفرس. إن ما نراه يوما من فضاعات على مستوى كل المنتجات الاستهلاكية التي تعرض على التونسيين عبر مختلف نقاط البيع يجعلنا نصاب بنوبة من الضحك والغثيان ونحن نسمع تلك المبررات التي يقدمها ممثلو وزارة الفلاحة لتبرير قرارها بإعادة إحياء قانون غلق نقاط بيع الدواجن الحية للمواطنين وتنفيذه… ذلك أننا نرى وبأم عيوننا وبعيدا حتى عن تلك الفقاعات الإعلامية التي تطلق بين الفينة والأخرى عبر وسائل الإعلام للاستهلاك المحلي عن اكتشاف قصاب بصدد بيع لحم الحميرهنا أو مصنع للحلويات يستخدم مواد منتهية الصلاحية هناك أو بعض المعلبات المنتهية الصلاحية والتي يتم إعادة طباعة التواريخ عليها في ذلك المخزن …. أو بعض المواد التالفة التي يعاد تدويرها للاستهلاك البشري في ذلك المصنع… فنحن نرى كيف يتم التعامل مع الخبز الذي يعد الغذاء الأساسي للتونسيين وكيف أن الكثير من المخابز لا تحترم أبسط قواعد حفظ الصحة بل إن هناك من يخلط الخبز بالسداري ويبيعه على أنه خبز قمح؟؟؟ أما عن اللحوم والأسماك والفواكه الجافة والحلويات والوجبات السريعة والساخنة إلخ… إلخ… مهازل بالجملة…. والويل لك كمستهلك إن فتحت فمك وطلبت من الطباخ مثلا أن يغسل يديه بعد أن استلم المال بيده من زبون سابق وأعاد له الباقي ليمر مباشرة لدس يده في علبة "التن" ليأخذ منها نصيبا يدسه في شطيرتك… أو أن لا يدخن وهو يطبخ اللبلابي وأنت ترى كيف أنه نسي أن ينفض رماد سيجارته فيسقط وسط القدر التي تغلي أمامه وكأن شيئا لم يكن .. وماذا عن الصناديق التي تنقل فيها الأسماك؟؟ والسيارات والشاحنات التي تنقل فيها اللحوم الحمراء؟؟؟ والزيت الذي تقلى فيه الكثير من المأكولات والذي لا يتم تغييره بالمرة وإنما فقط إضافة الجديد إلى القديم "وديما يمشي"…. وحتى المأكولات المعلبة فكم من علبة يوغرت تفتحها فتجدها متعفنة رغم أن تاريخ الصلاحية عليها لم ينته بعد… وكم من ريش في "الصلامي" وكم من حشرات ومن فئران في اللمج المعلبة للأطفال وكم من الملونات والإضافات المجهولة في المصبرات ؟؟؟ هذا إضافة إلى عدم احترام شروط قواعد حفظ الصحة في الكثير والكثير من المحلات… ولا حياة… رغم كثرة المنادات…. إلا أن الدولة كانت دائما تغط في سبات… لكن السيد الوزير تفطن في الأخير أن الحل يكمن في غلق دكاكين بيع الدجاج الحي.. الذي يشغل الآلاف من التونسيين ويفتح الكثير من البيوت ويمثل معدلا للسوق… فالدجاج الحي هو ملاذ الكثير من المواطنين ضعاف الحال… وإن الاصرار على غلق هذا القطاع وقطع أرزاق الآلاف من الناس في الوقت الذي يمثل التشغيل الهاجس الأكبر للبلاد … بما يضر بمصالح الكثير من الناس ويجعل القطاع رهينة لفئة صغيرة من الجيتان الكبار التي ستتحكم في سوق الدواجن وفي التزويد والأسعار بشكل تام.. يجعلنا نشك في النوايا الحقيقية من إعادة إحياء هذا القرار… إننا نقول نعم لحفظ الصحة… ونشد على يد كل الجهات المسؤولة التي تعمل على حماية صحة المواطن من الأخطار.. لكن ذلك لا يجب أن يكون بشكل انتقائي كما هو حال كل القوانين التي تنفذ على الضعفاء فقط في بلادنا… نحن مع مطالبة أصحاب مهنة بيع الدجاج الحي باحترام قواعد حفظ الصحة…. ولكن ليس مع غلق موارد رزق الآلاف من التونسيين.. حتى يزداد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا…. كفاكم كذبا على الشعب وتلاعبا بمصير الوطن وانحيازا إلى صف الحيتان الكبار..