حمادي الجبالي رئيس الحكومة الأسبق أصدر منذ قليل بيانا ينتقد فيه خطاب رئيس الجمهورية السبسي لعدّة أسباب ذكرها.. ومنها ما قال أنّه "الانحياز المفضوح إلى المفسدين القدامى والجدد الذين أحكموا السيطرة على مقاليد الدولة خدمة لمصالحهم وحماية لنفوذهم".. داعيا الباجي والسلطة إلى "المقاومة الفعلية للفساد والمفسدين والاسراع في البتّ في قضاياهم المنشورة سابقا ولاحقا".. حمادي الجبالي بالذات.. آخر من يحقّ له قول ذلك.. فهو أوّل من تراخى عن محاسبة الفساد والفاسدين.. بل أنّه أوّل من طبّع معهم.. وقبل دعوات أسماء معروفة منهم على الغذاء والعشاء.. وجالسهم وحاورهم وضاحكهم وسامرهم.. وطمأنهم…!! حمادي الجبالي الذي كان أوّل رئيس لأوّل حكومة منتخبة ديمقراطيّا منذ حكومة الاستقلال الأولى.. أضاع فرصة تاريخيّة.. رغم أنّه جاء في أوجّ نسق ثوري تجلّى في انتخابات أكتوبر 2011 التي ربحتها الأحزاب الثوريّة والمعارضة لبن علي سابقا.. بأغلبية ساحقة.. برغم فترة رئاسة الحكومة من السبسي وبداية عمل الثورة المضادّة ودعاية إعلامها.. والجبالي مثلا رفض التفعيل والإمضاء والمصادقة على القائمة الثانية التي أعدّت لمصادرة أملاك كبار المتورّطين في قضايا الفساد مع نظام بن علي ونهبوا أموال الدولة بفضل علاقتهم به وبأفراد عائلته.. والذين احتار القضاء في محاسبتهم لاحقا.. ويسعى السبسي اليوم لتبييضهم وإصدار قانون المصالحة لأجلهم.. وهاهو الجبالي اليوم ينعتهم بالفساد ويتباكى على عدم محاسبتهم.. والحال أنّه ساند سياسة وزير عدله نور الدين البحيري في التراخي الكامل عن محاسبتهم وعن تتبعّهم قضائيّا.. ولم يكن حريصا تماما على ذلك..!! حمادي الجبالي رفض مثلا كل توصيات وإجراءات وزيره محمد عبّو في محاربة الفساد.. إلى أن اضطرّه للاستقالة.. كما تخالف حمادي الجبالي مع رئيس حزبه نفسه راشد الغنوشي (قبل انتهاجه سياسة التوافق).. وعارض بشدّة دعواته في حينها للمحاسبة لكلّ الفاسدين.. وعزل التجمعيّين من الحياة السياسيّة.. وتفكيك منظومة السابع من نوفمبر بكلّ أذرعها الأخطوبوطيّة في كلّ المجالات.. وحصلت بينهما خصومات وشبه قطيعة بسبب ما اعتبره الغنوشي في تاريخه تراخيا من الجبالي وتطبيعا مع المنظومة الفاسدة..!! واختلف الجبالي وهو رئيس الحكومة الفاعل.. مع حليفه رئيس الجمهوريّة المنصف المرزوقي.. وذلك أساسا لرفضه السير في نسق ثوري كما اقترح المرزوقي.. ويأتي على رأس ذلك محاسبة الفاسدين في كلّ المجالات من السياسة والأعمال إلى الإعلام والأمن والقضاء.. والمعلومات معروفة في أنّ الجبالي باعتباره رئيس حكومة رفض الإمضاء على قرار إنهاء خدمة عشرات القيادات الأمنيّة والقضاة المتورّطين بحجج دامغة مع منظومة الفساد السياسي والمالي والقانوني لنظام بن علي.. وقبل على مضض وضغوط الإمضاء على إقالة بضع قيادات أمنية وثمانين قاضيا فقط.. بعد أن فرض تخفيض ذلك العدد من المئات وفق القائمات الأوليّة التي عرضت عليه للمصادقة ولكنّه رفضها.. وحمادي الجبالي مثلا هو الذي رفض إصدار القائمة السوداء للإعلاميّين ووسائل الإعلام التي عملت بنشاط وفاعلية في المنظومة الإعلامية للسابع من نوفمبر وفي البروبغندا السياسيّة لصانع التغيير.. وقبضت مقابل ذلك مئات ملايين الدينارات من خزينة الدولة لدمغجة الشعب وغسل دماغه خلال حقبة الديكتاتوريّة.. وقد رفض الجبالي إصدار تلك القائمة وكشفهم ومحاسبتهم وتتبعّهم.. وحصل لأجل ذلك خلافا بينه وبين قيادات أخرى في حركة النهضة.. وهذا معلوم ومعروف.. ومكّن ذلك المنظومة الإعلامية النوفمبريّة من النجاة من التفكّك والإنهيار.. ومن البقاء سليمة تماما.. ومن أن تستعيد قوّتها.. بل وتدعّمها.. وتواصل العمل مع الثورة المضادّة لشيطنة الثورة.. وتشويه الثوريّين.. مقابل الترويج لرموز الثورة المضادّة.. ممّا ساعدهم على الفوز بانتخابات 2014 التشريعيّة والرئاسيّة.. التي آلت إلى السلطة التي يتحسّر منها الجبالي اليوم..!! كان أجدى بحمادي الجبالي أن يبكي على الفرص التي أضاعها عن الشعب التونسي في إنجاح الثورة.. من أن يتباكى على خطاب السبسي.