يبدو أنّ قَدَرَ النهضة هو التعاقد مع التصريحات النارية لبعض قادتها ورموزها ممّن يصحّ عليهم المثل الشعبي التونسي القائل “يجيء يقول صحّة يقول سدّاف” . فما إن يخفت الوقع السّيء لكلام بعضهم أمثال الغنوشي وزيتون واللّوز وشورو , حتى يصعد على الركح آخرٌ ليُفسد ما “يبسّس” به سمير ديلو للمشهد السياسي من دعوات لا نشك في صدق صاحبها بضرورة الابتعاد عن كلّ مظاهر العنف السياسي ونبذ عقلية التخوين والتكفير والشيْطنة من جانب جميع الفاعلين السياسيين على الساحة آخر المُوغلين للمسامير في الجروح السياسية العفنة في الجسم التونسي , كان السيد عامر العريض نائب رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة والنائب “المناسباتي” في المجلس التأسيسي كالكثير من زملائه ممّن “ياكلوا الغلّة ويسبّوا المِلّة” , حين تدخل بالأمس في الجلسة العامة للمجلس متّهما المعارضة بالتسبب في وفاة الشّاب السّلفي بشير القلّي إثر قيامه بإضراب جوع طيلة أربعة وخمسين يوما قائلا : إن أحزاب المعارضة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها من أجل إيقاف ومحاكمة المعتدين على السفارة الأمريكية , هي نفسها التي تترحّم اليوم على أحد هؤلاء , وهي وبذلك تقتل القتيل وتمشي في جنازته , وحريٌّ بها بعد هذا أن تتحلّى بقليل من الحياء والخجل كلام العريض “فْرارْ” نزل نزول الصاعقة على من حضر في القاعة باستثناء نوّاب الجماعة , مما أجبر بن جعفر على رفع الجلسة وتأجيلها حتّى يغيّر النواب السّاعة بساعة ودون الدخول في مهاترات أحزاب المعارضة والموالاة , يفترض كلام السيد عامر العريض الفهم من أنه وحزبَه يعتبران ما جرى في السفارة الأمريكية حدثا عاديا عرضيا ما كان يستحق الجَلَبة السياسية التي رافقته ولا إيقاف من يُشتبه في ضلوعه فيه حتّى ولو كانت نتائجه بصرف النظر عن واجب الأمن الذي يجب أن توفّره دولة المقر للسفارات الأجنبية , كارثية على البلاد على كل الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية بشكل جعلت صورة تونس “مْرمْدة في القاعة” شبيهة بالصومال والسودان وأفغانستان وما لم يقله سي عامر هو أن إلقاء القبض على المئات من منتسبي التيار السلفي الضّالعين في أحداث السفارة دون زعيمهم أبو عياض لم يكن بفعل معارضة المعارضة بقدر ما جاء نتيجة “الدّامّة” الأمريكية التي نزلت بها إدارة الرئيس أوباما على رأس حكومة حركة الغنوشي بعد أشهر الترحيب والتهليل بأول حكومة إسلامية ديمقراطية منتخبة في بلدان الربيع العربي , وأن وجود عناصر غير معلومة العدد إلى اليوم في تونس من مكتب التحقيق الفدرالي الأمريكي FBI رغم تكذيب سي نور الدين البحيري وزير العدل للمشاركة في التحقيق مع المتّهمين في أحداث السفارة والمدرسة الأمريكيتيْن ليس من باب السياحة أو زيارات التعارف والمجاملة وما لم يقله سي عامر أن التقصير الأمني في وزارة “خويا” علي على تأمين سفارة دولة أجنبية يعلم الخاص والعام يومَها أنها مستهدفة كان مدوّيا ومُفزعا وترجمت عنها تلك الكلمات المُضحكة المُبكية ” كنّا نستنّاوْ فيهم مِالقدام جاوْنا من تالي” وهو التقصير الذي أسفر عمّا أسفر عنه وبات معه شعار “طفّي الضوء” على الإخوة السلفيين جريمة موصوفة تُساوي بين منفّذها والمُشارك فيها من وراء السّتار وما لم يخطر على بال سي عامر بعد هذا أنْ ما من تونسي مهما كان انتماؤه السياسي والعقائدي لا يقف إجلالا وتعظيما أمام موقف الموت وأن كلّ أبناء تونس لا يمكن أن يشْمت واحد منهم في موت آخر , فالموت حق على الجميع وهو حتما أكثر الأشياء عدالة بين الناس , لكنّ مبدأ المحاسبة وسريان القانون على الجميع واجب وحق أيضا وشريعة من شرائع الله عزّ وجلّ , بل وكانا الدافع الحاسم لثورة هذا الشعب ضدّ المُتنفّذين والمارقين على سلطة الدولة والمجتمع , فهل يريد سي عامر أن يكون السلفيون طرابلسية جدد لا يشملهم ولا يعنيهم القانون ؟ وهل يرى سي عامر في وسائل ترهيب المجموعة الوطنية بالإضراب عن الطعام حتى الهلاك سبيلا للهروب من السؤال والحساب والعقاب حتّى لا تُتّهم المعارضة بقتل القتيل والمشي في جنازته ؟؟؟؟