سعيّد يُكلّف وزير الخارجية بتوجيه احتجاج شديد اللهجة إلى ممثّلة دولة أجنبية..#خبر_عاجل    خلال اجتماعه بوزير الشؤون الاجتماعية: سعيد يوصي بتوجيه مساعدات عاجلة الى عدد من المناطق (فيديو)    عاجل : تونس تستدعي سفيرة هولندا وتوجه لها احتجاج شديد لعدم التزامها بضوابط العمل الدبلوماسي    6205 خدمة وقائية قدّمتها وحدات الحماية المدنيّة خلال شهر أكتوبر    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة استثنائية..    هدنة جوية وجيزة قبل عودة التقلبات: استراحة لا تدوم طويلاً    حجز 5000 قرص مخدّر كانت موجّهة للترويج داخل الوسط المدرسي وللشبان    الغاز اللي يقتل في صمت في دارك وما تحسّش بيه....شوف التفاصيل    عاجل: ترامب يعيد النظر في بطاقات الإقامة للمهاجرين... و4 دول عربية ضمن القائمة!    رئيس الجمهورية يسدي تعليماته بضرورة الإسراع بإعداد مشاريع نصوص جديدة تُمكّن من فتح آفاق للشّباب    قضية التآمر على أمن الدولة1: أحكام بالسجن و خطايا مالية    الأجندة الجبائية لشهر ديسمبر 2025: خمسة مواعيد أساسية لخلاص الالتزامات الضريبية    الجمعة: تواصل الأجواء الشتوية    مصري يقتل عروسه قبل زفافهما    نهاية معاناة عقود؟ لقاح جديد يوقف أخطر أشكال الضنك بنسبة 92%    عاجل: جثة متآكلة غامضة لمرتدي ملابس غواص بشاطئ راس انجلة    ترامب يكشف عن خطط لطرد الصوماليين ويسخر من إلهان عمر    بعد إطلاق النار في واشنطن... ترامب يريد وقف الهجرة بشكل دائم من كل دول العالم الثالث    قتلى بقصف إسرائيلي على ريف دمشق واشتباكات مع قوات الاحتلال    بورتريه ...وفاء الطبوبي لبؤة المسرح العربي    الواعري مُرشحة لجائزة الشخصية العربية في اختصاص الشطرنج    خطبة الجمعة .. إنما المؤمنون إخوة ...    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون    في ظل الصيد العشوائي وغياب الرقابة .. الثروة السمكية تتراجع !    المسرحية المغربية "هم" لأسماء الهوري: صرخة الإنسان المخفية في مواجهة انهياراته الداخلية    بعد تعافيه من أزمته الصحية: تامر حسني يستعد لأولى حفلاته    نجاة الصغيرة تظهر من جديد.. هكذا أطلّت    كتاب جديد للمولدي قسومي: الانتقال المجتمعي المعطّل ... بحثٌ في عوائق الاجتماع السياسي التونسي    فرنسا: فرار محتجزين اثنين من السجن باستخدام منشار وملاءات    عاجل: البرتغال بطلاً للعالم تحت 17 سنة    المنتخب التونسي لكرة السلة يفتتح تصفيات كأس العالم 2027 بفوز ثمين على نيجيريا 88-78    نابل: مشاركون في الاجتماع ال 29 لهيئة الاحصاءات الزراعية بإفريقيا يطّلعون على مراحل إنتاج زيت الزيتون البيولوجي ببوعرقوب    تطوير التعاون التكنولوجي والطاقي التونسي الإيطالي من خلال "منطقة تارنا للابتكار"    كأس التحدّي العربي للكرة الطائرة: البرنامج الكامل للمباريات    القيروان إفتتاح الدورة 5 الصالون الجهوي لنوادي الفنون التشكيلية و البصرية بدور الثقافة    4 خرافات متداولة عن جرثومة المعدة.. علاش تتكرر الإصابة؟    سنويّا: تسجيل 3000 إصابة بسرطان الرئة في تونس    اسبانيا : مبابي يعادل رقم رونالدو وبوشكاش ودي ستيفانو مع ريال مدريد    مونديال السيدات لكرة اليد: المنتخب الوطني يشد الرحال الى هولندا    أبطال إفريقيا: الكشف عن هوية حكم بيترو أتلتيكو الأنغولي والترجي الرياضي    هذا السبت: التوانسة يتوقّفون عن الشراء!    عاجل: وزيرة العدل تُفرج عن سنية الدهماني    وزارة البيئة: تركيز 850 نقطة اضاءة مقتصدة للطاقة بمدينة القيروان    عاجل: البنك الدولي يتوقع انتعاش الاقتصاد التونسي و هذه التفاصيل    وزارة النقل: اقرار خطة تشاركية تمكن من الانطلاق الفعلي في مزيد تنشيط المطارات الداخلية    الحماية المدنية : 501 تدخلات خلال 24 ساعة الماضية    عاجل : لسعد الدريدي مدربًا جديدًا للملعب التونسي    البنك المركزي التونسي يعزّز شراكته مع البنك الإفريقي للتصدير والتوريد من أجل فتح آفاق تعاون أوسع داخل إفريقيا    مفاجأة حول هوية مطلق النار قرب البيت الأبيض..#خبر_عاجل    الجمهور يتأثر: الإعلامية المصرية هبة الزياد رحلت عن عالمنا    الأولمبي الباجي: نجم الفريق يخضع لتدخل جراحي .. وهذه مدة غيابه عن الملاعب    تهديد إعلامية مصرية قبل وفاتها.. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياتها    محرز الغنوشي يُبشر: ''ثلوج ممكنة بالمرتفعات والاجواء باردة''    حريق هونغ كونغ.. 44 قتيلا واكثر من 200 مفقود    ارتفاع عدد وفيات فيروس ماربورغ في إثيوبيا    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين السلفية “الجهادية” والإسلام “لايت” بقلم : حاتم الكسيبي
نشر في صحفيو صفاقس يوم 22 - 11 - 2012

لا شك أن الدين عند الله الإسلام وأن محمدا صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء بُعث برسالة واحدة إلى العالمين فكان وحيا واحدا وان اختلفت القراءات، وكانت سنّة فيّاضة بمكارم الأخلاق رُويت ودُونت في عديد المراجع والكتب والتفاسير. لقد برع علماء الإسلام الأوائل في التأصيل والعنعنة و ترتيب الأحاديث حفظا لهذه السنّة، فبرزت الأحاديث المتواترة والمتفق عليها والحسن و الضعيف وهي تصنيفات لا يفهمها إلا أهل الرّأي و الاختصاص في العلم الشرعي والحديث النبوي. ثم برزت المدارس والمذاهب وفقا لهذه التصنيفات وتسارع الناس في الانضمام إليها دون تعصّب أو تشدّد فرُفع للإسلام علم واحد و سطّر منهج موحد، واحترم الشافعي الحنبلي و المالكي الظاهري بعد أن علموا أن الاختلاف رحمة للعالمين وهي توسعة في العبادات والمعاملات تخلق حيزا من الإنتاج والاجتهاد وتؤدي إلى حسن الاقتداء بالرسول الأكرم، صلى الله عليه وسلم، عالي المقام و شفيع الأمة.
كان منهاج السلف الصالح من المسلمين مفعما بالغايات التي تحرس حمى الإسلام فجميعهم سد منيع ضد الأعداء والمشككين. توالت انتصارات الإسلام ودخل فيه أفواجا من الأقوام بعد أن أيقنوا بمشروعيته وصلاح دساتيره لكل زمان ومكان. لقد شهد التاريخ القديم والمعاصر بمدنيّة الدولة الإسلامية وازدهار الحضارة فيها واندفاعها نحو البناء و العيش الكريم. فلم يشتهر ابن سينا والخوارزمي وابن حزم وابن رشد وابن الهيثم والرازي والبيروني وغيرهم بقتالهم “للكفّار” والمارقين عن الدين الذين كان عددهم لا يستهان به في تلك العصور، بل انصرفوا لصنع الحضارة وتطوير العلوم خدمة للإنسان عامة، فتدبروا في الكون كما أمرهم الله وأفلحوا بشهادة ما كتبه التاريخ عنهم. لكن هذا التطور الفكري والمعرفي لم يُلغ تجهيز الجيوش القوية المقاتلة في سبيل إعلاء كلمة الدين والذود على حرمة المسلم أينما كان والانتصار للضعيف ولو كان من أهل الذمة. فعلت أسماء عظيمة كخالد بن الوليد وقتيبة بن مسلم والظاهر بيبرس وقطز وغيرهم من الأعلام الشجعان الذين كانوا يقفون وقفة المتعلّم الخاضع لمعلّمه كلما كلّمهم الرّاسخون في العلم وأهل الدّين. تلك سيرة السلف الصالح وما تبعه من تابعين وتابعيهم، سيرة عطرة جمعت بين العلم والنّهل منه والجهاد و حسن الاستعداد له.
لكنّ المتابع للأحداث اليومية في بلادنا وغيرها من البلدان العربية وبعض الدول الإسلامية يلاحظ ارتفاع وتيرة العنف و التعصب لظاهرة “السلفية” ويستهجنها في قميص هندي و قبعة باكستانية ولحية أطلقت بطريقة معينة فاتخذت عديد الأشكال والألوان دون أن ترقى إلى جمال المظهر. فتستأثر فئة معيّنة بإتباع السلف الصالح وينسب الباقون إلى الكفر والمجون والمعصية. ويظهر في الجهة المقابلة أطراف تعددت ألوانهم الفكرية من اليمين إلى اليسار ومن الإيمان إلى الإلحاد، فاجتمعت على معاداة الفئة الأولى و ربما الإسلام برمته فاختارت قيم التسامح و”الإيمان في القلب” و “لا إكراه في الدين” والحريات الشخصية كشعارات تناور بها وتستعملها في محلّها وغير محلّها علّها تظفر بالتقدير والاستحسان عند العامة. ولكنّ المساكين يقعون في فخاخ الرّدة والزّندقة كلما تحدّثوا عن الإسلام وسماحته ورحمته فيحرّمون الحلال ويحلّون الحرام ويغيّرون الثّوابت ويثبتون المتغيرات. فهم يتعاملون مع النّص القرآني حسب الهوى ويستنبطون “العلل” من السنة دون تعمّق في المعرفة الدينية. فأضحت “الفتاوى” تصدر كل يوم وتصدر المواقف المضادّة كل ساعة و يتكلم القاصي والداني في الدين و يدلي بدلوه من غير علم و لا إدراك لمسائل فقهية خالها العديد من العارفين من المعلوم بالضرورة. كم نشمئز من ذاك السؤال الذي اعتاد المتفرج سماعه في كل استضافة لشخصية ما : ما هو رأيك في … ؟ اللحية، الحجاب، الشريعة، السلفية، …ولسائل أن يسأل، متى كان المسلم في كل العصور والأزمان والمذاهب والطرائق يدلي برأيه في أمر من أمور الدين دون علم و تكوين بل و تخصص أيضا ؟ . فيذكرنا البعض بسخافات الماضي المقيت التي أوقعنا في هذا التصحر الديني الرهيب.و لأضرب مثلا في هذا القبيل بسؤال المذيع عن رأي ضيفته في اللحية و التدين وكان الاستغراب شديدا من الإجابة لمّا ذكرتنا الضيفة بتدين عائلتها وصلاة أمها رحمها الله. فهل يطرق الدين وتطرح المسائل بهذه المنهجية .وددت ان يسأل المذيع يومها ضيفته عن رأيها في نظرية النسبية وقوانين الجاذبية لنيوتن ومبرهنات مكسوال و ….؟ إنني شبه واثق بأنهم لن ينطقوا بحرف واحد و سيعلنون بسرعة أنهم ليسوا أهل اختصاص.ذاك هو الإسلام “لايت” حسب المقاس التونسي قد يلبس ولكنه لا يستر ول يقي حرّ نار جهنم.
إنّ تونس متجذرة في تاريخها العربي الإسلامي و لن تغير الأيام هذا الأمر بحفنة “نخبة” هجرت اللغة العربية وموطأ الإمام مالك ومقدمة ابن خلدون والتحرير والتنوير لابن عاشور ومتن ابن عاشر و غيرها من المراجع المعتمدة. لا يمكن لهذه النخبة المثقفة أن تنتج لتونس دينا خاصا يجمع بين انتقاءاتهم من الدين الإسلامي و القيم العالمية كما يدّعون. ولا يمكن أيضا للمتفيهقين “الجهاديين” أن يستأثروا بإرث السلف فينفردوا بعمر وعلي و الزبير وطلحة وابن تيمية و غيرهم من عظماء الإسلام. وليعلموا جيدا أن نجاح حروبهم وانتصاراتهم تنحصر جغرافيا على تخوم العالم العربي. هناك، يصورون الدين للأقوام المسلمة في الصومال وافغانستان ومالي وتركمانستان وكشمير وغيرها من المناطق، في صور قاتمة وباهتة فتنبري تلك الأقوام مطيعة لهم لجهلهم بلغة العرب. لقد حاول “الجهاديون” قبل الربيع العربي غزو العالم العربي فوجدوه عصيّا فنأوا إلى الصحاري والمرتفعات معلنين خيبة الأمل والمسعى. ولأختم بأن العالم العربي بات أكثر حرصا على دينه وقيمه بعد الثورات دون التعويل على الفكر “الجهادي” ودلائل هذا الأمر تتضح جليا في عديد المجريات والأحداث. لقد أصبحت متابعة البرامج الإخبارية والحوارية تجلي العديد من القناعات والحقائق الدينية التي دفنت في التراب وخال مناصرو الإسلام “لايت” أنها لن تعود للظهور أبدا. ففرح القوم بدينهم وزادهم طمأنينة واعتزازا بثورتهم ثم شمّروا على سواعد البناء والكسب الحلال عسى أن يبارك الله أمرهم فيجازون في الدنيا والآخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.