تنسب نشأة السلفية إلى مريدي مدرسة أهل الحديث و الأثر الذين برزوا في القرن الثالث للهجرة في العصر العباسي بقيادة "أحمد بن حنبل" أحد أئمة السنة الأربع. ففي حين كان المعتزلة يعتمدون على العقل لقراءة النصوص الشرعية و فهمها و تأويلها , رأى أهل الحديث أن في انتهاج العقل تهديدا لصفاء الإسلام و نقائه .. و لم ينته الخلاف بين الفريقين حتى تولّى المتوكّل منصب الخلافة مطلقا بن حنبل و منتصرا لمنهجه. و يقول "محمد أحمد مصطفى أحمد" صاحب كتاب "تاريخ المذاهب الإسلامية" و المعروف باسم "أبو زهرة" أنه قد تمّ انتهاج مذهب "ابن حنبل" و جماعته كمنهج رسمي للدولة العباسية في زمن الخليفة القادر بالله . و يقضي هذا المذهب بالأخذ بظواهر النصوص دون اللّجوء الى العقل أو المنطق ثمّ تفويض الكيف و الوصف. ومع انقسام الفقهاء المسلمين و أهل الحديث إلى حنبلية و أشعرية و تبنّيبعض الأمراء المذهب الحنبلي, انحسر الفكر السلفي انحسارا ملحوظا , حتى كان القرن السابع للهجرة الذي تزامن مع سقوط الدولة العباسية, حيث ظهر ابن تيمية فعمل على إحياء الفكر السلفي و حارب ما أسماهم أهل البدع مناديا بضرورة إحياء عقيدة السلف و منهجهم. فاستجاب لدعوته علماء و طلبة علم كثيرون مثل الذهبي و ابن قيم الجوزية و المزّي. لكن الفكر السلفي سرعان ما انحسر مجدّدا و لم يعاود الظهور الاّ بحلول القرن الثامن عشر ميلادي في شبه الجزيرة العربية متمثّلا في دعوة محمد بن عبد الوهاب التي أحدثت تأثيرا كبيرا في ربوع العالم الإسلامي.
ما مضى و تقدّم تعني كلمة "سلف" (بفتح السين و اللام) في العربية ما مضى و تقدّم . أمّا اصطلاحا فهو تعبير يراد به المسلمون الأوائل من الصحابة و التابعين و تابعي التابعين الذين عاشوا في القرون الثلاثة الأولى للإسلام. و تستثنى منهم فرق كثيرة كالخوارج و الشيعة و المعتزلين والقدرية و الجهمية. و يعرّف "محمود عبد الحميد عسقلاني" في كتابه "الدعوة السلفية" المذهب السلفي ب" ما كان عليه الصحابة والتابعون إليهم بإحسان إلى يوم الدين و أئمة الدين ممّن شهد له بالإمامة و عرف عظم شأنه في الدين و تلقّى الناس كلامهم خلفا علن سلف. " أمّا السلفيون و السلفيات في تعريف "د.أحمد فريد" فهم "الذين يعتقدون معتقد السلف الصالح, و ينتهجون منهج السلف في فهم الكتاب و السنة و تطبيقهما." و بمناسبة حلوله ضيفا على "راديو كلمة" في الحلقة الثالثة من ملفّ السلفية ( قدّم الدكتور "علي العشي" لمحة عن السلفية مفهوما و تاريخا حيث أورد تعريف "الغزالي" في كتابه "إلجام العوامّ عن علم الكلام" و الذي جاء فيه " إنّ العقيدة التي أدين بها لله رب العالمين هي عقيدة السلف أي الصحابة و التابعين." و أشار "العشّي" إلى أنه من الناحية اللغوية لا معنى لأن يقول المرء "أنا سلفي" (إذ كيف يكون المرء سلفا لنفسه ؟) لكنّه أوضح أن القول بالسلفية في يومنا يعني "اتّباع السلفية و السلفيين" ... و في تصريحه ل"راديو كلمة " عرّف الشيخ ""أبو أيوب التونسي" , أحد شيوخ السلفية في تونس, المذهب السلفي بكونه "طريقة لفهم منهج الرسول (صلعم)..." فكما لكل جماعة طريقتها في فهم الكتاب و السنة للسلفيين طريقتهم في ذلك أيضا. أمّاالشيخ الادريسي فقد قال في حوار له أيضا مع مراسل إذاعة كلمة بسيدي بوزيد : أنا "أعترض و بشدّة على تسمية السلفية.." . و في سؤال له حول المرجعية الفكرية للسلفيين أجاب الشيخ أنه " ليس هناك من مرجعية غير الكتاب و السنة." لكنّ المعتقد السلفي يرتكز و لا ريب على جملة من الأفكار و المعتقدات . وأوّلها مصادر التلقّي و هي كما جاء في كتاب "الرسالة" للإمام الشافعي : القرآن و السنة الصحيحة و الإجماع و القياس. و يعتقد السلفية أنه لا تضارب بين نقل صحيح و عقل صريح و أن النقل مغلّب على العقل , فلا يجوز معارضة الأدلّة الصحيحة من كتاب و سنة و إجماع بحجج عقلية أو كلامية. كما يؤمن السلفيون بوحدانية الله وأحديته و استفراده بالعبادة و بالقدر خيره و شرّه و بالإيمان قولا باللّسان و إخلاصا بالقلب.كما يتولّون الصحابة و أهل البيت دون الإيمان بعصمة أحدهم و تعتبر هذه النقطة ركيزة أساسية للمعتقد السلفي في مقابل المعتقد الشيعي. و السلفية تبغض البدع و المبدعين و ترى أن أحكام الإسلام الواردة في الكتاب و السنة واجبة التطبيق في كل زمان و مكان حسب فهمهم لها و هو ما يعرف بالحكم بالشريعة الإسلامية أو ما اتّخذ لاحقا تسمية "الإسلام السياسي".وفي هذا السياق يقول "ابو أيوب التونسي" أنه " كلّ من حكم بغير الشريعة فهو كافر مارق." و أن كلّ حكومة لا تعمل بأحكام الشريعة "جب خلعها و لو بالسيف أي بالسلاح." الجهاد
أما "الجهاد" لدى السلفية فهو فرض كفاية قد يتعيّن على مكان معين أو زمن معين. من ذلك دعوة "جميل الدين الأفغاني" إلى الجهاد ضدّ السوفييت في أفغانستان و " أحمد عرفان" في الهند و "أسامة بن لادن" و جماعته المسمّاة القاعدة في حربها ضدّ الولايات المتّحدة في أفغانستان و العراق و دول عربية أخرى. و الجهاد في رأي "أبي أيوب التونسي" "وسيلة و ليس بغاية" اذ يقول " نحن نرفع السلاح في أفغانستان ..أيّ دولة إسلامية دخلها عدوّ كافر وجب علينا أن ندفعه بالسلاح .. أما في دولنا العربية حيث مجتمعاتنا مسلمة فنحن نرى أنّ الإصلاح يكون بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر." و أخيرا يؤمن السلفيون بأنّ علم الكلام دخيل على الإسلام و أن النصوص الإسلامية من قرآن و سنة فيها ما يكفي من الحجج العقلية و البراهين المنطقية لمجادلة المخالفين و دعوتهم إلى الإسلام ( الخطابي, الغنية عن الكلام و أهله.) و على الرغم من صرامة ركائز المذهب السلفي الفكرية و جمودها الظاهر (لالتزامها بالظاهر من النصوص و بالنقل دون العقل) فلقد تفرّع عن المذهب فرق عديدة شأنه في ذلك شأن سائر المذاهب و الجماعات. وتقوم السلفية الجهادية التي تتبنّاها بعض الجماعات على مبدأ العنف سبيلا للتغيير..و هي تتفق مع باقي الجماعات في اتباع منهج السلف و الالتزام بالجهاد ركنا و منهجا. و الجهادي يؤمن بوجوب محاربة الحكومات التي لا تعمل بشريعة الله. و من أبرز منظّري الجهادية "أبو محمد المقدسي" و "أبو قتادة الفلسطيني". كما يعدّ "أسامة بن لادن" زعيم تنظيم "القاعدة" أبرز قادة الجهادية. تعدّ نشأة الجماعات السلفية الجهادية و الحركية و غيرها ردّ فعل عن الشعور بالظلم و الاستبداد و حملات الاعتقال الواسعة التي طالت نشطاء الإسلام السياسي في العالم العربي.. و قد توسّع الدكتور "علي العشي" في الحديث عن هذه الجماعات في الجزء الأخير من الحلقة الثالثة لملف السلفية .
السلفية ظاهرة اجتماعية في حالة اختمار
قال a title=""سامي براهم " المفكّر و الباحث الإسلامي" href="http://www.youtube.com/watch?v=O1OXiu1lhus""سامي براهم " المفكّر و الباحث الإسلامي(رابط3) بمناسبة نزوله ضيفا على برنامج "ستوديو كلمة" ان السلفية كظاهرة هي في "حالة اختمار و انفتاح على كل الانتظارات و أفضل هذه الانتظارات هي أن تندمج السلفية داخل الحراك الديمقراطي و الاجتماعي في تونس و تتطوّر" ,مناديا بضرورة إعطاء السلفيين الفرصة للحديث عن أنفسهم عملا بمقولة السلفيين ذاتهم "اسمعوا منّا و لا تسمعوا عنّا" و ذلك لتفادي ممارسة "عنف رمزي ضدّهم"...كما أكّد انه لا يجب استخدام الظاهرة السلفية لخدمة مصالح سياسية عبر التضخيم و المغالاة . و قال "براهم" ان الظاهرة السلفية "مخيفة ليس لأن أفكارها متشدّدة بل لأنها غير مرئية" أي أنه لا يوجد من يعبّر عنها بشكل واضح كونها لا تنتظم داخل حزب أو حركة سياسية.مضيفا أن كل ظاهرة لا تخضع للرقابة و لا يمكن بالتالي "محاصرتها بالنقد و التحليل هي ظاهرة خطيرة ". و مشيرا إلى تعريف السلفية بكونها إتّباعا لمنهج "السلف الصالح" قال "سامي براهم" أن "كل المسلمين سلفيون" لكنّ "الإشكال انّما يتمثّل في العلاقة التي تعقدها مع سلفك الصالح فإمّا أن تحتذي به احتذاء أعمى و تقديس و إمّا أن تتجاوزه و تبني نماذج جديدة". فالظاهرة السلفية إذن هي "قراءة حرفية للسلف الصالح" و هي "طريقة في التفكير ترى أنّ ما صلح به أول هذه الأمة هو التطبيق الحرفي للنصوص" و بالتالي يكون التأويل مرفوضا بل و "طريقة كفرية تفتح على البدع". وبخصوص التكفير, روى "سامي براهم" حادثة حصلت معه شخصيا اذ قرأ على أصدقاء له من السلفيين مقطعا من كتاب "موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول" لصاحبه "ابن تيمية" العالم السلفي دون إعلامهم بالمصدر ..حيث استنكر السلفيون ما قرئ عليهم و رفضوه ليخبرهم "براهم" فيما بعد أن الكلام لشيخهم 'ابن تيمية" الذي يتّبعونه دون أن يقرؤوا له..و كان "ابن تيمية" في هذا المقطع "ينكر إنكارا شديدا تكفير المسلمين بقضايا تفصيلية في العقيدة"... و قال "براهم" انّ السلفيين لم يأخذوا من شيخهم سوى بعض الفتاوى دون أن يقرأوا كتاباته".
span dir="LTR" style="font-size: 14pt; line-height: 115%; font-family: "Times New Roman";" تابعوا الملفّ في جزئه الثاني جزئه الثالث