في خضم الجلبة التي أثيرت بسبب الحفل الذي سيحييه الفنان الكوميدي التونسي الأصل، ميشال بوجناح، بمسرح قرطاج مساء 19 جويلية الحالي، تردد الإتكاء على شعار "ضد التطبيع مع إسرائيل" في تبرير التهجم على بوجناح والدعوة إلى منع حفله. حتى إن المنظمة الشغيلة قد انضمت بدورها إلى صف المنادين بذلك، وأصدرت دعوة في نفس الإتجاه! لن ألتجيء هنا إلى التدليل على مناصرة بوجناح لحتمية إقامة دولة فلسطين، إلى حد اعتبار نفسه مناضلا من أجل تحقيق هذه الغاية، ولا إلى تعداد دعواته للفرنسيين لزيارة تونس، والبلدان الأوربية لمساعدة تونس على التغلب على مايواجهها من صعوبات، أو التعبير في كل المناسبات عن حبه لوطنه الأصلي تونس، وللشعب التونسي الذي يعتبره أجمل وأرقى شعوب الأرض التي خلقها المولى(وقد كان كثيرا ما يردد ذلك في قالب مزحة يستفز بها الفرنسيين كلما وقعت استضافته في أحد البرامج التلفزيونية)، حتى إنه في احدث ظهور تلفزيوني له منذ أسبوعين، لما خُيِّر بين ثلاثة علامات عالمية لزيت الزيتون، ولم تكن بينها علامة تونسية، قد أجاب بكل ثقة في النفس وببرودة دم إستفزازية لمن سألوه، " أفضل زيوت العالم، هو زيت الزيتون التونسي" ! وبسبب هذه المواقف الشجاعة والدائمة في محبة تونس، كان الصحفيون والنقاد الفرنسيون يطلقون عليه طوال مسيرته "اليهودي التونسي، في الخدمة". أعود إلى مسألة "التطبيع". صحيح أن بوجناح عبر عن حبه لإسرائيل، ولكن حتى ذلك الموقف جاء ذلك ضمن تأكيده على تونسيته، وعلى حبه لفرنسا كذلك، وعلى رفضه مغادرتها باتجاه إسرائيل..وختم بأنه يعتبر نفسه "مناضلا من أجل قيام دولة فلسطين".. عبارة " رفض التطبيع" هل كان يُقصد بها رفض التطبيع، وبالتالي رفض التعامل مع الكيان الإسرائيلي الصهيوني، ومع من التحق من يهود العالم ب"دولة إسرائيل" للعيش بها، أم هي تعني رفض التعامل مع كل من اعترف بدولة إسرائيل، دولا كانوا أم أفرادا؟؟ فإذا كان الجواب هو الخيار الثاني، فلا أظن أن المنادين بمنع حفل ميشال بوجناح الذي رفض من البداية العيش في إسرائيل، لايجهلون أن فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وكل الدول الأوربية والأمريكية، والآسيوية وغالبية الدول الإفريقية، تعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات تجارية واقتصادية وثقافية متينة. ولجميعها مبادلات تجارية وثقافية وفنية مع تونس. يأتي منها إلينا ويزورها من بيننا الكثيرون. وتقيم في بلدنا التظاهرات المتنوعة، إقتصادية وثقافية وفنية ورياضية. ونحن بالمثل. هذا فضلا عن الرحلات الجماعية والفردية، منها وإليها.. ولعل أبرز مثال لهذه الدول التي تقيم علاقات ديبلوماسية علنية مع دولة "الكيان الصهيوني" هذه، نجد تركيا ومصر وغيرهما، من دون ذكر الأدلة على العلاقات القوية المخفية لدول عربية مع "دولة إسرائيل".. فهل نادى أولئك اللذين طالبوا بمنع حفل ميشال بوجناح بقطع علاقات بلادنا مع كل تلك الدول؟ وكثير منها لم يعلن تأييده بعد لإقامة دولة فلسطينية!! أم إن في الأمر واواً مريبة ؟ إننا نعيش عهد الغباء السياسي بكل تمظهراته!! غن أول المستفيد الأوحد من هذه الحملة ضد قدوم الفنان التونسي ميشال بوجناح إلى تونس، هي دولة إسرائيل والحركة الصهيونية! فبهكذا مواقف غبية ندفع بوجناح وغير بوجناح إلى الإرتماء في أحضان الصهيونية، قلبا وقالبا، هذه المرة.. ألا يكفي ماعاناه اليهود التونسيون من مرارة إكراههم على ترك وطنهم تونس في أواسط الستينات وعلى الهجرة القسرية بحثا عن أوطان بديلة تأويهم؟ ويشهد التاريخ، ان الغالبية العظمى من اولئك رفضت التوجه إلى إسرائيل وفضلت الهجرة إلى فرنسا والإستقرار فيها، رغم الإغراءات واحيانا التهديدات الصهيونية. وقد تعرض ميشال بوجناح إلى انواع شتى منها. ولم يجد بعض خلاص إلا عندما قال أحب إسرائيل. وإذا كان قالها مرة، فإن إصداعه بحب تونس كان آلاف المرات.. فهل من الحكمة ورد الجميل، إحتضانه أم تركه وكثيرين غيره ومثله، فريسة للصهيونية؟