قديما قال أجدادنا: "من قلة الصوف؟…… تتجز الكلاب؟" وكأن الساحة السياسية والاجتماعية التونسية ليس فيها ما يكفيها lمن مشاكل ومطبات حتى نزيد من سكب الزيت على ألسنة اللهب المتأججة بها أصلا.. لقد كان من المفترض أننا نبحث عن دعم كل ما يوحدنا ونتجنب قدر الإمكان كل ما يزيد من انقسام المجتمع على نفسه عندنا…وأننا نجتهد من أجل البرمجة لمناسبة احتفالية ثقافية للترفيه عن الناس وتخفيف ما يشعرون به من توتر وقلق إزاء ما يحدث في البلاد من تخبط وعدم وضوح رؤية… فإذا بنا نحول حتى مهرجاناتنا إلى حلبة صراع سياسي واجتماعي وثقافي لتزيد من تقسيم المجتمع على نفسه وتفتيت اللحمة الوطنية .. الجميع على علم أنه ومنذ مدة قليلة أثارت محاولة عرض فلم أمريكي أحد بطلاته ممثلة "إسرائيلية" ضجة كبيرة في البلاد مما اضطرالعارضين إلى إيقاف عرضه خوفا من أن تؤول الأمور إلى ما لا تحمد عقباه… ومن المؤكد أن الجهات المهتمة بالشأن الثقافي كانت على علم بكل ذلك؟؟ فلم تقوم هذه الجهات على إعادة المحاولة بعد فترة قصيرة بكل صلف وكأنها تفعل ذلك عمدا واستفزازا لكل من وقف ضد عرض الفلم وكل من كان وراء إيقاف بثه؟؟ الأكيد أن البعض ولأسباب مختلفة منها المصلحي ومنها الانتهازي ومنها الإيديولوجي لا يرى مانعا في التطبيع بكل أشكاله مع الكيان الصهيوني ويرى أن الصهاينة هم أقرب إليهم وأفضل عندهم من غيرهم من شعوب المنطقة وأنظمتها وأن مصالحهم هي مع ربط علاقات طبيعية مع هذا الكيان الذي له الحق في كل ما يقوم به لأنه يدافع عن وجوده ولأنه يتمتع بكل ما نفتقده نحن من ديمقراطية وتطور وازدهار ولأنه وهو الأهم من ذلك هو من يدفع بهم إلى الواجهة ويوصلهم إلى دفة السلطة والحكم… لكن هناك جزء كبير من الناس الذين لا يقبلون بأي شكل من أشكال التعامل أو التطبيع مع الكيان الصهيوني لأنهم يرون فيه العدو الأعظم لهم والمهدد الأكبر لوجودهم والساعي الأكبر لتدميرهم.. وهم لا يستطيعون نسيان ما فعله هذا الكيان بأهلهم وبهم و بأرضهم و بمقدساتهم وما يخطط لفعله حتى يحقق كل أهدافه بالهيمنة على المنطقة وشعوبها ومقدراتها… إنهم يرون في أي تقارب مع هذا العدو اللدود الذي دنس أرضهم أكثر من مرة ليقتل ويغتال كمجرم حقير خيانة لدماء مئات الآلاف.. بل الملايين من بني جلتهم الذين قتلهم الصهاينة بدم بارد من أجل زرع كيانهم السراطاني الإستيطاني العنصري في قلب المنطقة ومنعها من أن تعيد بناء نفسها من جديد… إذا فالقضية ليست قضية بسيطة وهي ليست قضية ثقافية كما يريد البعض أن يظهرها وإنما هي أكبر من ذلك بكثير .. إنها قضية حياة أو موت.. فمقاومة العدو ولو في حالة الضعف هو إثبات للوجود وتعبير عن العزة والتشبث بالحياة.. والاستسلام له والقبول بإملاءاته هو عنوان الموت والفناء… بعض الصحف الصفراء ومواقع الإعلام المخترقة حد النخاع من طرف الصهاينة وعملائهم تسخر من المعارضين والمطالبين بإلغاء هذا العرض وتستهين بهم من أجل تثبيط عزائمهم بدعوى أن كل التذاكر المخصصة لحفل الصهيوني "بو جناح " قد بيعت؟؟ ( هكذا هي دونا عن غيرها؟؟) وكأنها تريد أن تقول أن المعارضين هم مجموعة من "الكلاب" (حاشى الجميع) الذين ينبحون على الطائرة… وأنه لا فائدة ترجى من معارضتهم… وأنهم أقلية وشرذمة لا وزن لها… هذا ما يحدث عندنا في البلد الذي اعتقدنا أنه تحرر وعاد إلى رشده بعد الثورة.. هذا ما يحدث عندنا والدماء الزكية للدكتور البطل "محمد الزواري" الذي اغتيل غدرا وخيانة في بلده وبين أهله لم تجف بعد ولم يقتص لها أحد.. ماذا عسانا نقول ونحن نرى هذا التكالب المحموم من أجل قتل أي نفس مقاوم في المنطقة مهما كان نوعه من أجل القضاء على كل الروابط التي تصل بين مختلف أجزائها بما يتيح ابتلاعها بسهولة من طرف الأفواه المشرعة النهمة لحيتان البرالية المتوحشة الصهيو/أمريكية والتي ترى أنه لا دوام لهيمنتها ولا سبيل لها لبسط دفوذها على العالم بأسره إلا بابتلاع المنطقة برمتها وإخضاعها التام لسيطرتها… فهل يستسلم المعارضون لهذه المحاولات المتكررة من أجل فرض الأمر والواقع الجديد لحمى التطبيع مع الكيان الصهيوني ويحنون رؤوسهم للعاصفة.. أم أن لهم رأيا آخر في الموضوع وأنهم لن يستسلموا بهذه السهولة… هذا ما سنراه في الأيام القليلة القادمة..