كثيرون من يحملون كل الأحزاب و كل الحكومات المتعاقبة بعد "الثورة" و على قدر المساواة مسؤولية انهيار البلاد و اقتصادها. لكن الحقيقة خلاف ذلك تماما، فالمسؤول الأول عن افلاس البلاد هي بدون منازع حركة النهضة. نعم تلك هي الحقيقة التي لا يمكن انكارها، فالنهضة استغلت الدعم الأميركي المسنود من قطر و تركيا ابان الثورة في اطار تنفيذ مشروع الربيع العربي لتحدد المسار و قواعد اللعبة طوال كل هته الفترة فهي التي كانت تحدد السياسية العامة للدولة (الداخلية و الخارجية) حتى زمن حكومة محمد الغنوشي و الباجي قائد السبسي بدء بالمساهمة في الاطاحة بنظام معمر القذافي و محاولة الاطاحة بنظام بشار الاسد ومرورا بفرض كارثة المجلس التاسيسي كخيار ثم بسن دستور الترويكا و فرض نظام سياسي و انتخابي هجين حملنا مباشرة نحو الجحيم. فحكومة الشاهد و قبلها حكومة الحبيب الصيد ومن سيأتي بعدها محكوم عليها بالفشل لأنها تشكلت و تسير وفق النظام السياسي والانتخابي المضبوط سلفا من النهضة في دستور 2014 . فتغيير الوزراء لن يغير شيئا و لن تتحسن به النتائج لأن المشكل ليس في شخص اللاعبين بل في قواعد اللعبة المغشوشة. نحن الآن نعيش في مباراة أشبه بتلك المقابلة الشهيرة لكرة السلة التي لم يسجل فيها اي لاعب من اي فريق اي هدف كان رغم نهاية التوقيت القانوني لأن الكرة كانت أكبر حجما من السلة. نعم النهضة هي من تسببت في صنع الارهابيين في تونس نتيجة مساهمتها و تشجيعها للسلفيين على افتكاك المساجد ثم ارسالهم لبؤر التوتر، و هي التي كونت روابط الاجرام او ما سمي بحماية الثورة، وهي ايضا من استنزفت موارد الدولة لتقدمها تعويضا لابنائها وهي من اغرقت الوظيفة العمومية بعشرات الآلاف من العملة و الموظفين المرتدين للأمية بما تسبب في تضخم دفوعات الدولة. صحيح أن بعض الاحزاب الأخرى شاركتها بعض ما فعلت، مثل بعض اليسار الذي كان هاجسه الأول والأخير الخوف من عودة التجمع فكان اشبه بخادم ستالين الذي من شدة رعبه منه امتنع عن اعلام الناس بخبر وفاة سيده خوفا من أن تعود الحياة لجثته فيقطع له رأسه. وصحيح ايضا ان اتحاد الشغل ساهم في استنزاف موارد الدولة عن طريق فرض ترسيم عشوائي لعشرات الآلاف من العملة و الموظفين من قطاع المناولة وعن طريق خلق عقلية تمرد للعامل تجاه مؤجره. لكن لم يكن لا لاحزاب اليسار و لا لاتحاد الشغل ولا لحزب المؤتمر أو التكتل المقدرة على فعل كل هذا لو لم يكونوا مسنودين من النهضة أو مخترقين منها أو مستغلين لفجوة فساد النظام وضعف الدولة التي تسببت فيه هته الأخيرة. والنهضة هي ايضا من سممت بقية الأحزاب وعلى راسهم نداء تونس بمعضلة الفساد فليس من الصدفة ان تكون لاي فاسد في النداء همزة وصل مباشرة او غير مباشرة بحركة النهضة. النهضة تسعى اليوم لتشريك الجميع في تحمل المسؤولية التي كانت هي السبب الرئيسي في كل ما حصل وتحاول تنفيذ سياسة التوزيع العادل للفشل بين الجميع، لكنها لن تنجح أبدا في ذلك فالحق بين و الباطل بين.