جانفي شهر الإنتفاضات والثورة في تونس، شهر جانفي يخيف الحكومات السابقة لثورة الحرية سنة 2011 وبعدها أيضا، لا يقف الخوف لدى الحكومات من هذا الشهر وما يحتويه من تحركات فقط بل العديد من الطبقات الأخرى تهاب هذا الشهر من كل سنة. وبالرجوع إلى تاريخ تونس تجد أهم وأبرز التحركات الإحتجاجية والإنتفاضات من كلّ سنة تقريبا في يوم من أيام شهر جانفي،إبتداء من الخميس الأسود يوم 26 جانفي 1978 والذي تم فيه اعتقال 500 نقابي بينهم الامين العام الحبيب عاشور وذلك بعد وصول المفاوضات بين حكومة الهادي نويرة والاتّحاد العامّ التونسي للشغل إلى طريق مسدود وتأزم الوضع اكثر باعتقال الكاتب العامّ للاتّحاد الجهوي بصفاقس عبد الرزّاق غربال يوم 24 جانفي 1978. بعد ذلك انتفاضة الخبز أيام 3و4 جانفي 1984 والتي سقط فيها قرابة 100 شهيد من المحتجين على الزيادة في العجين ومشتقاته، بعد مواجهات دامية بينهم وبين قوات النظام العام بأمر من بورقيبة رئيس الدولة آنذاك. لتأتي سنة 2008 وتندلع انتفاضة الحوض المنجمي في شهر جانفي اثر إعلان نتائج انتداب أعوان وكوادر شركة فسفاط قفصة التي وصفها الأهالي بالخاضعة للمحسوبية ليسقط عدد من الشهداء بعد مواجهات دامية. جانفي 2011 جاء بعد عدّة إحتجاجات إندلعت خلال شهر ديسمبر 2010 بسبب البطالة وتعاطفا مع محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده بعد أن حجزت الشرطة البلدية بضاعته، وسرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات الى مواجهات بين المحتجين والشرطة وتطورت الأمور الى استخدام الرصاص من قبل الشرطة فسقط اول شهيد في منزل بوزيان لتعمّ الاحتجاجات كامل المدن التونسية وسقوط عدد من الشهداء واستمرّت المواجهات إلى غاية 14 جانفي 2011 حيث تم الإعلان عن هروب الرئيس زين العابدين بن علي إلى السعودية. شهدت تونس بعد الثورة انتفاضة على الآتاوة الموظفة على السيارات خلال جانفي 2014. وأعلن المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في تقرير نشره أنّه تمّ رصد 1521 احتجاجا جماعيا وفرديا خلال شهر جانفي 2016، معتبرا أنّ جانفي هو الشهر الأكثر احتجاجات منذ 2014. ربما يكون دور العامل المناخي وغلاء الأسعار وارتفاع الضرائب عامل في انفجار هذه الاحتجاجات على امتداد عقود من تاريخ البلاد خلال شهر جانفي. وفي ذات السياق قال الباحث في علم الإجتماع معاذ بن نصير ،إن الإحتجاجات الاجتماعية تتنامى في شهر جانفي و ذلك للرمزية التاريخية لهذا الشهر على الحركات الثورية بتونس من خمسينات القرن الماضي وصولا إلى 14 جانفي2011 . كما يعتبر بن نصير في تصريح لموقع الصحفيين التونسيين أن شهر جانفي بداية السنة ، أي بمعنى ولادة جديدة للفرد على المستوى النفسي و الإجتماعي ،و يكون في إنتظار تغيير جذري لحياته المادية، لكنه يصطدم بواقع مرّ و أن ما رسمه في مخيلته مجرد أوهام لا غير . وأضاف بن نصير أنه يجب الأخذ بعين الإعتبار أن الوضعية الإقتصادية الهشة للمجتمع التونسي جعل من الطبقات الاجتماعية المنهكة و خاصة من الجهات الداخلية تنفر من الوضع المعيشي اليومي و تكون لها ردة فعل عكسية على مؤسسات الدولة. كما يجب الأخذ بعين الإعتبار أن المصادقة على الميزانية يكون في أواخر السنة ، أي أن تبعاته ستكون من بداية السنة الموالية. و يؤكد بن نصير أن نسب البطالة المرتفعة و الفقر المدقع داخل المناطق الداخلية بالبلاد التونسية يكون من بين الأسباب المباشرة لإندلاع الحركات الإحتجاجية بهذه الربوع. ويبقى السؤال الأهم عند القلقين الخائفين: متى ينتهي هذا جانفي؟ ويبقى التونسي دائما في إنتظار ذات جانفي بلا زيادة في الأسعار ويتماشى مع قدرته الشرائية، ينتظر ذات جانفي الذي لا يكون فيه ولا تونسي تحت طائلة البطالة وخط الفقر.