أبو زيد الهلالي بطل أشهر الملاحم الشعبية العربية المعروفة بسيرة بني هلال . وقد صورت الملحمة وقائع العرب في الفترة من منتصف القرن الرابع الهجري وحتى منتصف القرن الخامس الهجري إبان عصر الدولة الفاطمية . وقد آثر العرب هذه الشخصية بحبهم وأعطوها مكان الصدارة ليس فقط بين أبطال سيرة بني هلال وإنما أيضاً بين أبطال السِّيَر الشعبية جميعاً . وابتُدعت الملحمة الشعبية مبرِراً للغزوة الهلالية التي اصطحب فيها أبو زيد من أرض نجد إلى بلاد المغرب خيرة الفرسان ومن بينهم يحي ومرعي ويونس . وكان المبرر هو وقوع أولئك الفتيان الثلاثة في يد الخليفة ” الزناتي ” بمدينة تونس الخضراء . واحْتال أبو زيد حتى تخلص من الأسْر وعاد إلى قومه في نجْد فما كان منهم إلا أن هبّوا هبّةَ رجل واحد يستهدفون مدينة تونس لتخليص الثلاثة وتحريرهم وخلافا لهذه الرواية التاريخية التي تلامس الأسطورة أكثر من التأريخ الدقيق يذهب العديد من المؤرخين إلى اعتبار “أبو زيد الهلالي” واحدا من السفلة والمجرمين وأصحاب العقائد الهدّامة ، إذْ كان أبو زيد من الشيعة الإسماعيلية وكان تابعا للدولة العبيدية الفاطمية ، وكانت أشهر صولات وجولات هذا المجرم التي يُتغنى بها , في قتال أهل السنة , وأكبر جريمة اقترفها هذا الخبيث كانت قتل الأمير “المعز بن باديس” الذي كان بطلا من أبطال أهل السنة وقاد ثورة على العبيديين . بعد تسعة قرون تقريبا من ملحمة أبو زيد الهلالي أطلّت علينا في تونس “ملحمة” جديدة باسم “ملحمة أبو زيد التونسي” , ذلك الفتى الوسيم الذي ظهر في أحد البرامج التلفزية المباشرة الناجحة وهو يتحدث عن ملحمته التي صنعها صحبة “إخوة بررة” في بلاد الشام في محاربة رموز الكُفر والردّة من آل بشّار ونظامه , فعدّل بذلك عقارب التاريخ بأن أصبحت تونس تقود “الفتوحات والغزوات” عوض أن تستقبلها على أراضيها كما كان الحال مع أبي زيد الهلالي وإذْ يُحسب لأبي زيد التونسي “شجاعته” في الظهور على شاشة تلفاز -وهو وجماعته من الحريصين على عدم الصعود فوق الأرض وتحت الشمس والكلام إلاّ في الظلمات بالهمس والإشارة- , فقد بشّرنا عدوّ “بشّار الكافر” بأنّ الدورَ آتٍ علينا في تونس إنْ نحن عنّ لنا انتخاب “علمانيين” في قادم الانتخابات , فالجهاد ضدّ “الكُفّار وأعداء الله والرسول” فرضٌ على كل مسلم ومسلمة حتّى وإنْ كان بالنّكاح بالنسبة للنساء والصّبايا والتي توجد بينهنّ ثلاث عشرة تونسية “تجاهدن” الآن في سوريا وفق رواية “أبٍ آخر” هو أبو صُهيْب . “أبو زيد التونسي” أقرّ بوجود ما يشبه بسوق نِخاسة دون أن يعرف مصادر التمويل وهويّة النخّاسين في أرض الشام لاستقدام “المجاهدين” ودفعهم للصفوف الأولى للقتال والسمسرة ب”جهادهم” سواء بالوشاية عنهم لدى السلطات السورية أو بقبض الأموال عن كلّ “مجاهد” وإيداعها بالبنوك التركية والتجارة بمواد الإغاثة الواردة على سوريا هِبةً من عديد البلدان . وفضح “مُجاهدُنا” العائد إلينا حديثا كلّ أشكال السّمسرة وأعمال السطو وافتكاك ممتلكات السّوريين من قِبل عناصر الجيش السوري الحر وكتيبة أنصار الشام التي انتمى إليها ناصحا الشباب التونسي بعدم السفر مستقبلا لسوريا والارتماء في أحضان هذه الجماعات رغم قداسة الجهاد وشرعيّته الذي يؤمن به إيمانه بالله ورسوله كلامُ “أبو زيد التونسي” هو إقرارٌ في كلّ الأحوال بأنّ من ذهب لسوريا للجهاد اكتشف بأنه مطالب بأن يكون سوريّا أكثر من السوريين , وبأن هذا الجهاد تحوّل إلى “تجارة رابحة” تديرها عديد الدوائر الداخلية والخارجية دون أن يعرف هو شخصيا ولا أمثاله من شباب تونس هويّة أو خلْفيّة من يقف وراءها والأهداف التي يرمون إلى تحقيقها من خلال تحويل سوريا إلى أرض “جهاد كاذب” التونسيون في كلّ هذا يدفعون ضريبة الاسترخاء الأمني والسياسي الذي تعاملت به حكومة ما بعد 23 أكتوبر مع الشباب المُغرّر به في أتون حرب أهلية في بلد عربي تحرّكها الأجندات الخارجية واستراتيجيات الأمن الإقليمي الأمريكي الصهيوني بأيادٍ عربية عميلة , بل ويذهب البعض إلى حدّ اتهامها بالتواطؤ وقد وصلت أرقام “المهاجرين” حدّا مُفزعا , بل والأخطر بات بعض هذا الشباب الذي كُتبت له الحياة من جديد وعاد إلى تونس كأبي زيد يعتبر أن بلادنا مرشّحة لتكون أرضَ جهاد النتيجة في كلّ ما حصل ويحصل , سيكتشف التونسيون إنْ لم يبادروا ب”الجهاد الفكري” لمعالجة الرؤوس المغسولة من أمثال “أبي زيد التونسي” وإعادة إعمارها من براثن صحاري الوهم الوهّابي الإرهابي , أنّ “أبو زيد الهلالي” لن يأتي إلينا هذه المرّة من الخارج غازيا بعد عشرة قرون بل سيُبعث حيّا يرزق من بين ظهرانينا في شكل مئات وآلاف من “أبي زيد التونسي” بعلامة المنشأ المكتوبة على جِباههم ولحيّيهم “صُنِع في تونس” …