انتقلت الأزمة السياسية في تونس إلى داخل الحكومة برئاسة يوسف الشاهد الذي بدأ في إعادة ترتيب أوراقه على وقع تزايد المعطيات الدالة على أن رهانه على حركة النهضة الإسلامية اقترب من نهايته. وقالت مصادر سياسية ل"العرب" إن حسابات رئيس الحكومة التي بناها على دعم حركة النهضة الإسلامية له، وعلى تماسك فريقه الحكومي في مواجهة الأحزاب والمنظمات التي تطالب برحيله، اقتربت من الانهيار نتيجة جملة من العوامل التي ساهمت في تغير لافت في موازين القوى السياسية. واعتبرت أن سلسلة الخطوات السياسية التي أقدم عليها يوسف الشاهد خلال الأسبوع الماضي، وخاصة منها إعفاء وزير الداخلية لطفي براهم من منصبه، وما رافقه من تعيينات أمنية مثيرة للجدل، دقت ناقوس الخطر في الجهة المقابلة، ودفعتها إلى التحرك باتجاه وقف هذا التدهور السياسي. وكشفت أن اجتماع مجلس الوزراء الذي عُقد الأربعاء بقصر الحكومة بالقصبة، عرف أجواء متوترة تخللها نقاش صاخب حول تداعيات هذه الأزمة، وذلك في تطور أربك حسابات يوسف الشاهد، الذي وجد نفسه بين نيران غالبية الأحزاب والمنظمات الوطنية التي تطالب برحيله، وبدء تفكك فريقه الحكومي. وفي تفاصيل الاجتماع الذي ترأسه الشاهد، أكدت مصادر "العرب" أن وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي تحدث بغضب شديد عن أداء الحكومة، ولم يتردد في تحميل يوسف الشاهد مسؤولية المآلات غير محسوبة العواقب التي قد تنجر عن استمرار الانسداد السياسي الراهن. وقالت إن الزبيدي شدد في كلمته التي استغرقت نحو ربع ساعة، على ضرورة وضع المصلحة الوطنية فوق كل الحسابات السياسية الضيقة، منتقدا التغييرات الواسعة التي شملت ضباط المؤسسة الأمنية، وعدم تحرك الحكومة لوضع حد لإشاعة الانقلاب المزعوم التي روجتها بعض الأطراف في سياق عملية تصفية حسابات وصفها بأنها خطيرة. ووفقا للمصادر فإن الزبيدي الذي يعتبر الأوفر حظا لتولي رئاسة الحكومة التونسية الجديدة، عاتب الوزراء لغياب التضامن الحكومي، وذلك في إشارة إلى عدم الدفاع عن وزير الداخلية المقال الذي طالته إشاعة الانقلاب المزعوم. وأكدت أن يوسف الشاهد لم يجد ما يرد به على الزبيدي، واكتفى بتعليق الاجتماع الوزاري وسط ذهول جميع الوزراء، فيما غادر الزبيدي القاعة نحو مدينة الثقافة بشارع محمد الخامس، لتدشين معرض وثائقي حول القوات المسلحة التونسية. وخلال عملية التدشين، اعتبر الزبيدي في تصريحات للصحافيين أن "الحديث عن انقلاب في تونس اصطياد في المياه العكرة، ويمس من أمن البلاد واستقرارها، ومن معنويات وزارة الداخلية التي حققت نجاحات عديدة". وشدد على أن المؤسسة العسكرية التونسية "تنأى بنفسها عن كل التجاذبات السياسية، وتعمل في انسجام وتنسيق محكمين مع وزارة الداخلية"، وذلك في أول رد رسمي على تلك الإشاعة التي أطلقها الصحافي الفرنسي المثير للجدل، نيكولا بو، وزعم فيها أن وزير الداخلية المقال تلقى دعما من السعودية والإمارات لتنفيذ انقلاب في تونس. وربط مراقبون تحرك الزبيدي بسلسلة من الإشارات التي برزت خلال اليومين الماضيين، منها الاجتماع غير العلني بين الرئيس الباجي قائد السبسي، ووزير العدل ووزير الداخلية بالنيابة، غازي الجريبي، والاجتماع الذي جمع بين السبسي والشاهد في نفس اليوم، بالإضافة إلى اجتماع الأربعاء بين نورالدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل، وحافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحركة نداء تونس. وتقول مصادر مقربة من القصر الرئاسي إن الرئيس السبسي أبلغ غازي الجريبي عدم ارتياحه للتغييرات الواسعة التي شملت ضباط وزارة الداخلية، بينما طلب من رئيس الحكومة يوسف الشاهد التريث وعدم التسرع، وذلك في علاقة بالتعديل الوزاري الذي كان يعتزم الإعلان عنه الخميس. وتدفع هذه التطورات باتجاه التأكيد على أن الوقت أصبح ضاغطا، وأن المعركة السياسية الراهنة اقتربت من نهايتها، بعد أن تغيرت موازين القوى، خاصة بعد اجتماع الطبوبي بحافظ الذي انتهى بالتأكيد على ضرورة رحيل الحكومة. ويرى مراقبون أن هذه المعطيات، وما رافقها من تسريبات، تؤشر جميعها على انكشاف الأوراق السياسية التي كان يلوح بها رئيس الحكومة في وجه الذين يطالبون برحيله، ليعود بذلك الحديث مجددا حول استقالة جماعية لكافة أعضاء الحكومة.