قامت الدنيا و لم تقعد لمجرد لقاء مفترض بين أمين عام حركة مشروع تونس و قيادي في حركة النهضة، لقاء تسوق له هته الأخيرة لغاية فك العزلة عنها كونه نهاية للتنافر بين الحزبين و مصالحة مبدئية و نهائية بين الطرفين فيما يسوق له البعض الآخر كونه تحالف بين خصمين لدودين. لكن ما الفرق بين أن تكون خصما أو حليفا سياسيا للآخر؟ مشروع تونس اليوم أمامه خيارين إثنين لا ثالث لهما فإما أن يشارك في الحكم أو يبقى في المعارضة. و المشاركة في الحكم تقتضي حتما الجلوس مع كل الأطراف و الأحزاب التي ستتشكل منها هته الحكومة الإئتلافية بما في ذلك النهضة للإتفاق حول بعض المسائل وإيجاد الأرضية و الشروط الدنيا التعايش ضمن فريق حكومي واحد و تحت راية واحدة يمثلها رئيس الحكومة. أما البقاء في المعارضة فإنه يعني حتما موتا سياسيا لحركة مشروع تونس فالتجربة أثبتت أن الشعب التونسي لم يبلغ بعد درجة النضج السياسي و التمرس على الأنظمة الديمقراطية لكي يقيم الأحزاب على ضوء مشاريعها السياسية بل أنه لا يميل إلا للأحزاب القوية، و القوة لديه يختزلها في المسك بالسلطة لا غير. و لعل نتيجة الانتخابات البلدية السابقة أثبتت صحة هته المعادلة فالنهضة و النداء كانا الفائزين الأولين بهته الإنتخابات و قد أهداهما الناخب التونسي صوته رغم كون أدائهما في تسيير البلاد و حكمهما كان أكثر من كارثي. كما أن وضع الأحزاب التي خيرت البقاء في المعارضة دليل ثان على صحة المعادلة فلا حزب منها حقق أي تقدم كان سواء الجبهة الشعبية أو حراك المرزوقي أو غيرها من الأحزاب بل بالعكس زادت وضعيتها تعكرا و تفرقا رغم شدة انتقاداتهم للحكومة و كشفهم للعديد من مواطن ضعفها . إذا فمشاركة مشروع تونس في الحكومة القادمة هي أولى خطوات هذا الحزب الصحيحة نحو إمكانية الإقلاع و الخروج من الجمود و التقلص و إيقاف موجة الإستقالات التي بدأت تنخر هياكله و كتلته النيابية . لكن يبقى تقييم هته المشاركة رهين الشخصيات التي ستساهم بها في الحكومة الجديدة و درجة كفاءتها و قدرتها على المساهمة في خلق إضافة نوعية فعالة للعمل الحكومي. كما أن هته المشاركة يجب أن لا تتحول إلى تحالف و توافق لا مشروط مع حركة النهضة على غرار ما فعله نداء تونس بعد الانتخابات البرلمانية السابقة و تسبب له في خيانة ناخبيه و انهياره تماما. فأن تكون خصما للنهضة لا يعني بالضرورة أن تكون في المعارضة (فبعض معارضيها أهدوها أكثر مما أهداه حلفائها لها) أو أن تقاطع المشاركة في حكومة هي ملك و حق لكل التونسيين وليست حكرا عليها فقط، فالخصم الحقيقي هو من يسعى: _ إلى تغيير النظام السياسي و الإنتخابي الذي يفرض تواجدها في كل حكومة بسبب الأغلبية التي يستحيل توفيرها بدونها. _ وهو من يسعى لكشف شبكة التسفير إلى سوريا و غيرها. _ و من يحاول كشف من اغتال الشهيدين بلعيد و البراهمي و من يقف وراء تشكيل الغرف المظلمة داخل أجهزة الأمن. _ و من يتخذ موقفا واضحا من مظالم هيئة طمس الحقيقة و انتهاك الكرامة. _ و من يقف سدا منيعا ضد سطو حركة النهضة على الهيئات الدستورية إلخ….. هذا بالإضافة طبعا الى كون دخول المشروع الى الحكومة جاء في إطار إشتراط التاسيس لمشروع حزب كبير بين أطراف الاسرة الوسطية المشاركة في الحكومة وهذا في حد ذاته مكسب وطني كبير. أما انتهاج سياسة ” سنلقي بإسرائيل في البحر ” فقد عادت على أصحابها بالوبال و الخراب و الفشل التام فالمقاطعة دون مقاومة حقيقية هي من قبيل سياسة النعامة التي تغرس رأسها في الرمل لكي لا ترى عدوها وهو يلتهمها.