يحاول البعض تمرير مغالطة أو معادلة خاطئة هدفها فرض الاستقطاب الثنائي و نفي الآخر، مفادها أن للناخب خيارين لا ثالث لهما، فإما التصويت للحداثة مشخصة في حركة نداء تونس أو الوقوع تحت حكم الإسلاميين ممثلا في حركة النهضة. و يستند أصحاب هته المغالطة على كون بقية الأحزاب الأخرى ضعيفة ولم تقدر حتى على تشكيل قائمات انتخابية في كل الدوائر البلدية و بالتالي فإن التصويت لفائدتها لا جدوى ترجى منه سوى تشتيت الأصوات لفائدة المنافس الآخر. لكن علينا أن نتذكر جيدا كيف استطاع نداء تونس سنة 2014 في زمن قياسي لم يجاوز السنتين من الفوز بالانتخابات رغم كونه لم يكن موجودا أصلا و كيف أن قوته استمدها من قوة رسالته وقوة خطابه و عمل كوادره و قواعده وايضا من أخطاء خصومه لا من كثرة أعضائه و مكاتبه. و علينا أن لا ننسى كيف أن هته الأحزاب " العملاقة" سقطت في عدة محطات انتخابية أمام خصوم تعتبرهم أقزام و آخرها الهزيمة النكراء التي لحقت بالنداء في انتخابات ألمانيا أمام منافس نكرة. ثم علينا أن لا ننسى أن النداء لم يستطع تجديد هياكله الجهوية و المحلية بعد الموجة الكبيرة من الاستقالات التي لحقته و اقتصر فقط على انتدابات بعض الشخصيات و المقاولين السياسيين على المستوى المركزي فقط ولهذا السبب بقيت جل مكاتبه الجهوية و المحلية جوفاء و فارغة و بعضها مغلق تماما وهو ما اضطره الى تشكيل قائمات حزبية جل اعضائها من المنتدبين الجدد والذين لا تربطهم بالنداء اي علاقة حزبية و استبعد حتى ما بقي في هياكله من أعضاء نظرا لضعفهم و عدم اشعاعهم الجهوي. إذا فالنداء لا يستمد قوته من ذاته كحزب بل فقط من قوة مؤسسه السيد الباجي قائد السبسي و من تواجده في السلطة لا غير ولا أدل على ذلك من كون جل القائمات الانتخابية شكلت خارج المكاتب الحزبية بواسطة الوزراء أو مستشاري رئاسة الجمهورية. أما النهضة وإن كانت لحد الآن هي الحزب الأقوى و الأكثر تماسكا من بقية الأحزاب إلا أنها فقدت الكثير و الكثير من قوتها نظرا لتغير المعادلة الإقليمية والدولية و تصنيف الاسلام السياسي بكل احزابه كحركات ارهابية و نظرا كذلك للتنازلات المؤلمة التي قدمتها و أغضبت قواعدها الراديكالية التي باتت تهددها بالولاء للمنصف المرزوقي و التصويت لقوائم الحراك أو التيار الديمقراطي. ان النهضة و النداء قدما عدة تنازلات وصلت حد التخلي حتى قيم و مبادئ كليهما للتقارب بينهما تمهيدا لمرحلة الانصهار داخل حزب واحد فالنهضة استقطبت ما استطاعت من تجمعيين داخل هياكلها و قائماتها و النداء استقطب هو الآخر اسلاميين و نهضاويين و اطرد العديد من مناضليه و ابنائه ارضاء لنصفه الثاني. كل هته التنازلات نزعت عن النداء ثوب الحداثة و كونه درعا يحمي المجتمع من الاسلاميين و نزعت عن النهضة ثوب الضحية المضطهدة بعد أن طبعت و استقطبت من كانت تعتبرهم جلاديها. إن المعادلة الصحيحة التي ستكون حاضرة لدى الناخبين حتى البسطاء منهم في الانتخابات القادمة هي الآتية: إما التصويت لطرف أول يمسك بالسلطة لكنه فشل فيها ويضم كل من النهضة و النداء أو التصويت لطرف ثاني خارج السلطة و أقل نفوذا لكنه لا يتحمل مسؤولية الفشل. ولهذا سيكون المواطن الواعي أمام تحدي الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية التي تستوجب تعددية حقيقية بما يعني التصويت للأحزاب الأخرى قصد تقويتها حفاظا على التوازن و تفاديا للرجوع لنظام الحزب الواحد حتى وان كان حزب ذو جناحين. أما المواطن البسيط فسيمكنه ذكاءه الفطري من أن يتيقن من كون كل من النداء و النهضة لا يمثلان سوى مشروع حزب واحد يتنافس مع بقية الاحزاب.