السؤال الذي بات على كلّ ألسنة التونسيين من الذين تخلّصوا من سكْرة "الناس اللّي هاربة لربّي" أو الذين لم يشربوا مطلقا من كؤوسهم الوسخة ، الآن ، وقد كشّروا عن أنيابهم وتعرّت نفوسهم المتعطّشة لامتصاص الدماء ، كم ستدوم رقصة الديك المذبوح التي شرعوا فيها والتي تعلن عن انتهاء اللّعبة وعودتهم الوشيكة إلى جحورهم الواقعة في الكواكب الأخرى التي ينتمون إليها ؟ دراقولا "الربيع العربي" الذي تسلّل إلى مائدة الثورة بعد تجهيزها بكل ّ أنواع المأكولات دون أن يساهم فيها حتّى برغيف خبز عفن ، لم يقدر على لعب دور الحمل لمدّة وجيزة حتّى تطمئن إليه النعاج إذ سرعان ما عنّ له دخول كامل الإسطبل ومضاجعة كل إناثه من كلّ الأجناس على قول الخالد نزار قبّاني : في حارتنا ديك سادي سفاح ينتف دجاج الحارة كل صباح ينقرهن يطاردهن يضاجعهن ويهجرهن ولا يتذكر أسماء الصيصان راح دراغولا يغازل كلّ الإناث ويقلّل من شأن كل ذكور "الزريبة" وكأنهم خصّي يعملون في حريمه ، اغتصب ، عنّف ، خرّب ، قتل مثنّى وثلاثا بانتظار رُباعا وما يليه ، حذّروه ، أنذروه ، وبّخوه ، هدّدوه ، "النّافع ربّي" الطبع يغلب التطبّع ، تماما كقصّة ذلك الأعرابي مع صغير الذئب الذي وجده وحيدا فأخذه وربّاه وكان يطعمه من حليب شاة عنده والتي باتت وكأنّها أمه . لكن وبعد مرور الوقت وكبُر الذئب الصغير ، عاد الأعرابي يوماً إلى بيته فوجد أن الذئب قد هجم على الشاة وأكلها فأنشد بحزن قائلاً : بقرت شويهتي وفجعت قلبي * وأنت لشاتنا ابن ربيبُ غذيت بدرها ونشأت معها * فمن أنبأك أن أباك ذيبُ إذا كان الطباع طباع سوء ٍ * فلا أدب ٌ يفيد ولا أديب الإخوان ، أو دراغولا ربيعنا العربي الذي حوّلوه إلى عاصفة هوجاء ، هم خوارج هذا العصر ، يكفّرون كلّ من يخالفهم رأيا ، يكفّرون الحكّام والمحكومين والعلم والعلماء ، والثقافة والمثقفين ، والكتّاب والصحفيين ، الديمقراطية لديهم كمصعد العمارة ، ما إن يوصلهم إلى طابق الحكم حتّى يشعلوا فيه النار ويحطّموه ، دون أن ينسوا ترديد أغنية الشرعي والشرعية مع جوقة الشرف التي يستأجرون خدماتها من فلول وبقايا من يدّعون كذبا محاربتهم وتطويقهم ، على نحو ما نسمع اليوم منهم ، بعد ثالث جريمة اغتيال سياسي في رصيدهم الحافل بالدم والقتل ، فحقوق الإنسان عندهم تعني عدالة القتل بالسيف أو الرصاص أو المتفجرات ، تماما كما بشّروا بها منذ نزلوا علينا ك "القضاء المستعجل" في ديارنا التونسية الآمنة قبل نصف قرن تقريبا قال الزعيم الخالد جمال عبد الناصر: الإخوان مالْهُومش أمان … وقبل نفس المدّة أيضا أنشد الشاعر المصري الكبير على محمود طه يقول في قصيد غنّاه موسيقار الأجيال الخالد محمد عبد الوهاب ( مع بعض التصرف للضرورة التونسية ) : أخي، جاوز الظالمون المدى ، فحقَّ الجهادُ وحقَّ الفدا أنتركهُمْ يغصبونَ تونس ، مجد الأبوَّةِ والسؤددا ؟ أخي، أيها التونسي الأبيُّ ، أرى اليوم موعدنا لا الغدا أخي، أقبل التونسيون في أمةٍ ، تردُّ الضلال وتُحيي الهُدى أخي، إنّ في تونس أُمّا لنا ، أعدَّ لها الذابحون المُدى صبرنا على غدْرِهم قادرينا ، وكنّا لَهُمْ قدرًا مُرصدًا أخي، إن جرى في ثراها دمي ، وشبَّ الضرام بها موقدا ففتِّشْ على مهجةٍ حُرَّة ، أبَتْ أن يَمُرَّ عليها العدا تونسُ يفدي حِماكِ الشبابُ ، وجلّ الفدائي والمُفتدى تونسُ تحميكِ منّا الصدورُ ، فإمًا الحياة وإمّا الرَّدى تنويه : إن الآراء الواردة في ركن الرأي الآخر لا تلزم إلا أصحابها