أيها المسلمون، أيها الناس، إن الأمم الكبيرة قد اعتادت عبر التاريخ أن تجعل من الفواجع والمحن مناسبةً لمراجعة النفس، ومحاسبة الذات، ووسيلة لتقييم الحاضر، واستشراف المستقبل. وإن من العقل والأناة في غمرة المحن أن تصغي الأمة الممتحَنة لأصدقائها وتلقي السمع لناصحيها، وأن تفتح قلبها لشركاء المصير، وأن تكون مستعدة لسماع الحق ولو كان مراً، وأن تتقبل النصح ولو كان مؤلماً. أيها الناس، عالم اليوم يخوض قضية أقضَّت فيه المضاجع، وأثارت عنده المكنون، وولّدت لديه إفرازات، إنها قضية الإرهاب والإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل. وبادئ ذي بدء لا بد من التأكيد أن الإرهاب شرّ يجب التعاون على اجتثاثه واستئصاله، كما يجب منع أسبابه وبواعثه، عانت منه دول، وذاقت من ويلاته مجتمعات بدرجات متفاوتات، الإرهابيون يرتكبون فظيع الجرائم عندما يقدمون على قتل الأبرياء، وتدمير الممتلكات، ويفسدون في الأرض. الإرهاب شر كله، وخراب كله، وأحزان كله، وفساد كله. محْترف الإرهاب منحرف التفكير، مريض النفس، ومن ذا الذي لا يدين الإرهاب ولا يمقته ولا يحذّر منه. الإرهاب يخترق كل المجتمعات، وينتشر في كل الدول بين جميع الأعراق والجنسيات، والأديان والمذاهب، عمليات إرهابية تتجاوز حتى مصلحة منفّذيها، فضلاً عن أنها تكلفهم حياتهم وأرواحهم، عمليات تتجاوز حدود المشروع والمعقول، وتتجاوز تعاليم الأديان، ومألوف الأعراف، وضابط النظم والقوانين. الإرهاب كلمة مقصورة محصورة في الإقدام على القتل والتخويف، والخطف والتخريب، والسلب والغصب، والزعزعة والترويع، والسعي في الأرض بالفساد. الإرهاب إزهاق للأرواح المعصومة، وإراقة للدماء المحترمة، من غير سبب مشروع. الإرهاب لا يعرف وطناً ولا جنساً، ولا ديناً ولا مذهباً، ولا زماناً ولا مكانا، المشاعر كلها تلتقي على رفضه واستنكاره، والبراءة منه ومن أصحابه، فهو علامة شذوذ، ودليل انفراد وانعزالية. أيها الناس، هذا إبراز لصورته الكالحة، وآثاره المدمّرة، والتأييد العالمي، والتكتل الدولي مطلوب من أجل مكافحته، يجب على كل عاقل بغض النظر عن جنسيته أو ديانته، أو لونه أو هويته، أن يعلن الحرب على الإرهاب الغاشم الظالم. والمسلم حين يُدين الإرهاب، فإنه لا يستمدّ موقفه هذا وإدانته تلك من إعلام الإثارة والتهويل، ولا من الفلسفات الاعتذارية التي تغلب على تفكير بعض قاصري النظر، ولكنها إدانة من مسلم منطلق من إسلامه الذي يمنع قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ويقرن ذلك قرآنه بحق الله في إخلاص التوحيد، والخلوص من الشرك، وَ0لَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ 0للَّهِ إِلَٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ 0لنَّفْسَ 0لَّتِى حَرَّمَ 0للَّهُ إِلاَّ بِ0لْحَقّ [الفرقان:68]، مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى 0لأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ 0لنَّاسَ جَمِيعاًً [المائدة:32].