لم أكن في الحقيقة أنوي التعقيب على ما جاء في حق الرد للسيد الكاتب العام لحركة وفاء بصفاقس وعضو هيئتها السياسية ، لا لفقر في الحجّة وعجز على مقارعة الرأي بالرأي ، ولكن فقط لأنّ رئيس الحركة نفسه تولّى قبل دقائق من نشره في هذا الموقع ، الرد بشكل مستفيض نيابةً عنّي وعن كلّ الزملاء الصحفيين بخصوص "غزوته" السياسية المظفّرة يوم إحياء ذكرى انطلاق الثورة بساحة القصبة ، حين نهل من معاجم وقواميس لغة المراحيض والمجاري ما طاب له من عبارات ومصطلحات وزّعها على كلّ رجال الإعلام واضعا إيّاهم بالطبع في سلّة أعداء الثورة ورموز النظام السابق ودولته البوليسية . إنّها الإسطوانة المشروخة التي حفظناها عن ظهر قلب والتي لو لا رجال الإعلام لما تناهت إلى مسامع المواطن التونسي والذي على عكس ما يعتقد بعض أدعياء النضال يتوفّر على درجة عالية من الذّكاء تؤهّله للتفريق بين الغثّ والسّمين ، بين المناضلين الحقيقيين ومناضلي الوقت بدل الضائع ، بين الثّابتين في مواقعهم ومواقفهم والباعة المتجوّلين لدى الأحزاب بيمينها ويسارها وبضاعة الوهم والسّراب التي يعرضونها في دكاكينها المغلقة وأعترف هنا للسيد كاتب عام الحركة بصفاقس بأنّه استفزّني وهو يتكلّم عن مآثر "عرْفه" النضالية الماضية التي ختمها برسالة توبة إلى المخلوع وقبلها ب "صبّة" لأمن الدولة التابع للداخلية عن كلّ الفاعلين السياسيين من رفاق الأمس قبل أن يمرّ بتجربة محاولة الانتحار جرّاء ما لحقه من أذى شخصي على يد أحد "المناضلين" مازالت آثاره بادية عليه إلى اليوم في شكل هذيان وهلوسة سلوكية وسياسية لم تعد تخفى على العامّة قبل الخاصّة وهكذا وعلى قاعدة "تتفخّر النعجة بليّة العلّوش" طفق ممثل جماعة وفاء في صفاقس في نفخ شعبيّة مُشغّله لدى من أسماهم بالمثقّفين الأحرار وقطاع كبير من المواطنين ، مصوّرا لنا إياه في مكانةِ لينين أو عبد الناصر أو ديغول زمانه ، مع أنّ الحضور في اجتماعات حزبه القليلة التي عقدها في العاصمة أو في الجهات لم يتجاوز أصابع اليديْن الاثنتيْن من المنتسبين ل"عصابات مجالس حماية العوْرة" الذين أمدّته بهم حركة مونبليزير في نطاق أساليب المناولة السياسية التي تعتمدها مع أحزاب بيت الطّاعة . وطُرق النفخ هذه والعودة إلى رصيد من "النضال" كاد ينضب من كثرة وسوء استعماله عادة ما يلجأ إليه كلّ من ضاقت به سبل الحجّة وحكم على نفسه بالتقوقع في كلام ومفردات يزيّن له خياله المريض بأنّها من صميم العمل السياسي الحقيقي واستحقاقاته الشعبية وهكذا وفي ازدواجية غريبة وملفتة وكلّما ضاقت به السبل ، درج مؤسس حزب "وفاء" وأتباعه على إخراج فصل ركيك من فصول مسرحيته الفاشلة التي تتغنّى بالديمقراطية والتعددية السياسية ، في الوقت نفسه يجلس إلى رموز العنف والإرهاب ويحتضن رموزهم ويقوم صحبة جماعتة ممن انتشرت رائحة "ثوريّتهم العفنة" بالوثائق والإثباتات في قبّة التأسيسي ذاته ، بإعاقة العمل السياسي المتعارف عليه ومحاصرة الأنشطة السياسية والمدنية كالحوار الوطني بشكل حيّر البعيد قبل القريب الذي لا يجد من تفسير لهذا السلوك سوى عدم الرغبة بعلاقات قائمة على أرضية السياسة ومعيار التعدد والتنافس بين الأنداد والشركاء المساهمين في المسوولية الوطنية وإنما ترغب في إقامة علاقات مع الآخرين المشبوهين على قاعدة التبعية وتقديم الولاء ، والتسلل في المناسبات الوطنية الهامّة لإبراز نفسها واستعراض عضلاتها على قاعدة خالف تُعرف خدمةً لأجندات خارجية يعاني بلدٌ مثل سوريا الشقيقة من ويلاتها منذ ثلاث سنوات إنّ المناضلين الحقيقيين الذين يكافحون من أجل إصلاح الوضع يفترض بهم تشخيص الحالة العامّة في كلّ أبعادها التي تعيشها البلاد والتي تضرّ بالمواطن التونسي ، وإنّ السبيل لإعادة التوازن الذي يعيد لتونس دورها ومكانتها -وهو الهدف الحقيقي للنضال- هو بالحفاظ على المكتسبات التاريخية والبناء عليها كعوامل قوّة في مقاومة الظلم من أجل إعادة التوازن السياسي والاجتماعي ، فالوحدة الوطنيّة والثورة يمثّلان الرصيد التاريخي لنضالنا المستمر حتى يصبح المواطن موطناً للمسؤولية والقرار ، أمّا الارتماء في أحضان المجرمين وأدْعياء الدين وتسويغ أفعالهم وتبرير أفكارهم وطروحاتهم ، فهو من صميم ما تعتبره الدُّول في مثل هذه الحالة خيانة عظمى يتساوى فيه الفاعل مع المُبرِّر ، وهو مسعى مكشوف لتمكين الفوضى القائمة من الاستمرار ، أي أنه الوضع المناسب لإعادة إنتاج الاستبداد ومصادرة آليات الدولة وإشاعة مشاعر الخوف في صفوف كلّ المواطنين إنّ ما أقدم عليه زعيم حركة وفاء في الذكرى الثالثة لانطلاق الثورة من مدّ عصا النّجاة للإرهاب وعصاباته وللكافرين بالدولة التونسية ودستورها الذي يُفترض أنّه أحد مؤسّسيه كشف عن وجود أجندة استبدادية تعمل على تفخيخ الوعي المتنامي والتجربة التضامنية التي برهن عليها الشعب التونسي كلّما ضرب الإرهاب الأعمى سواء بالاغتيال السياسي أو باستهداف سفارات الدول الأجنبية أو باستهداف أبناء الجيش والأمن في أكثر من موقع وواقعة إنّه السّقوط الأخير في سلسلة الحركات البهلوانية السياسية التي أتحفنا بها وما يزال صاحب الوفاء وصحْبه ، والتي عزم أهل القلم -حتّى وإنْ كان أحدهم "إذاعي رياضي" حزبُه الأوّل والأخير كان وما يزال "الكحْلة والبيضة متاع صفاقس" خرج من دائرة المستطيل الأخضر ليلعب في كامل ميدان الوطن- على كشفه وتعريته مهما كلّفنا ذلك من مصطلحات السبّ والشتم التي جادت بها علينا قريحة ذلك الغير "مُصنّف سياسيا" سوى ربّما المعتوه السياسي ، وتهديدات صبْيانه برفع الأمر للقضاء –وهو ما لا يُخيفنا بالمرّة- ضدّ من أعلا سلطة القلم والكلمة والرأي ، ولم يُشهر يوما مسدّسا أو لغما لقتل المعارضين السياسيين وحُماة الوطن من أبناء جيشنا وأمننا ، ولم يبرّر بالخصوص الجريمة في يوم من الأيام … كل الآراء الواردة في ركن الراي الآخر لا تلزم إلا اصحابها