كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة ببلادنا كلما تركزت عملية الفرز أكثر فأكثر… وأخذت معالم الخارطة السياسية في بلادنا تتضح أكثر فأكثر…ويمكن هنا أن نصنفها في 5 أو 6 أصناف أو مجموعات: 1. أحزاب سياسية وجدت لها موطئ قدم في الحكم إثر الثورة وهي تريد أن تدعم مواقعها تلك رغم الصعوبات الكبيرة التي مرت بها واختلاف توجهاتها الفكرية واهتراء شعبيتها وإن بدرجات متفاوتة واهتزاز الثقة بينها.. 2. أحزاب بنيت على أنقاض التجمع الدستوري أو الحزب الاشتراكي الدستوري وهي ترى أنها يجب أن تستعيد الحكم لأن كوادرها هم الأقدر على تسيير شؤون البلاد بما لهم من خبرات في الحكم ولأنهم الورثة الشرعيون للمشروع البورقيبي مؤسس الدولة الحديثة والقادرين أكثر من غيرهم على التصدي لمن يرمونهم "بالظلامية". 3. أحزاب تأسست حول أشخاص أثرياء أو مغامرين وأكثرهم مصاب بالنرجسية يسعون إلى الجمع بين الثروة والسلطة. 4. أحزاب وتيارات تقليدية مختلفة التوجهات تتقارب أحيانا وتتنافر أحيانا أخرى لكن القاسم المشترك بينها أنها إما أنها كانت مقموعة أو مخترقة إلى حد كبير في العهد السابق مما جعلها محدودة الانتشار والإمكانات . 5. أحزاب أو تيارات عدمية عندها نزوع كبير للتطرف وهي ترى أن المجتمع برمته نخره الفساد حدا لم يعد بعده قابلية للإصلاح لذلك هو يحتاج إلى صياغة جديد حسب قوالب جاهزة بما يعيده إلى الجادة والطريق القويم ولو بالحديد والنار. . هناك صنف أخر يمكن أن يؤخذ أيضا بعين الاعتبار وهو يتركب من شخصيات ومجموعات ولوبيات حربائية "نسبة إلى الحرباء" تتلون بكل الألوان ويمكن أن تأخذ كل الأشكال وأسلوبها الركوب على الأحداث والالتصاق بكل من هو في موقع القوة لالتقاط ما يجود به من الفتات…وهم بذلك أشبه بالطفيليات. إذا كانت الصورة بهذا الوضوح فأين المشكل إذا في القيام بالاختيار الواعي والمدروس من أجل اختيار الأفضل وإقصاء الرديء؟؟؟ إن المشكل الكبير المطروح أمام الناخب التونسي اليوم هو أسلوب المخاتلة والخداع والكذب الذي تتوخاه الغالبية الساحقة من مكونات المشهد السياسي باختلافاته وتناقضاته وخلافاته وحتى عداواته…مما أربك المتابع والملاحظ وحتى المواطن البسيط … فأنت ترى التيارات اليسارية تتحالف وتدافع عن التيارات اللبرالية …وترى الأحزاب التي طالما عانت من القمع والإقصاء من طرف الحزب الحاكم السابق "التجمع" يتحالفون مع رموزه وكوادره القادمين في صورة أحزاب جديدة…وترى التيارات الدينية التي كانت تعتبر الديمقراطية والعلمانية كفرا..أكبر المدافعين عن العلمانية والديمقراطية….وترى حليف الأمس يصبح ألد خصام اليوم…والعكس بالعكس… وأمام ضبابية المشهد …راح الكثيرون يعبرون على عزمهم على الاستقالة والتملص من المسؤولية وذلك بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات المقبلة وعدم الإدلاء بصوته..عملا بمقولة .."الركون على الربوة أسلم"…لكننا بكل لطف ومحبة ومسؤولية نريد أن نقول لهم معذرة أيها الأحبة … فالتنصل من المسؤولية لا يحل المشاكل بل يزيد من تعقيدها ويمنح فرصة للطالح أن يسود. إننا أمام مسؤولية تاريخية جسيمة وهي التي ستحدد مستقبل البلاد والأجيال القادمة…فإما أن نضع بلادنا على الطريق الصحيح بما يضمن القطع مع الماضي وإخفاقاته وفساده…وإما أن نسلم البلد لمن يسعى إلى قولبة المجتمع حسب نمط حياتي لا علاقة له بالعصر الحديث…أو إلى من يريد أن يجتث المجتمع من جذوره الحضارية ويحوله إلى مجتمع هجين …أو إلى من لا هم له سوى تحقيق مصالحه الشخصية وإشباع هوسه بالعظمة والسلطة…أو إلى من زرع زرعا من أجل خدمة أجندات أجنبية… إن مسؤولية كل تونسي وتونسية عظيمة وإن أي تهاون في المشاركة بقوة وفي اختيار من يستحق الثقة ودعم من خبر الناس صدقه ونزاهته سيعيدنا إلى المربع الأول وسيجعلنا نجهض ثورتنا بأيدينا.