ان الاحزاب التى نشعرونلمس ونرى انها تمتلك كنز على بابا و لا ندري بالضبط كمية الاموال التى تستعد بل وبدات فعلا في ضخها في الشارع الانتخابي بغير حساب ، ولا نعرف مصادر تمويلها بالضبط ، او تلك التى تحسب بوضوح على المنظومة القديمة ونعرف الى حد ما مصادر تمويلها الفاسدة والملغومة على المستويين الداخلي والخارجي ، ان كل تلك الاحزاب تتسارع ، فى المائة متر الاخير لسباق التشريعيات ، الى فتح دكاكين سياسية في المناطق الداخلية شملت المدن والقرى وحتى التجمعات السكنية الصغيرة في الارياف ، بما يشبه الى حد كبير الانتصاب الفوضوى ، والبحث بكل الاثمان عن تاثيثها بوجوه ذات تاثير على الناخب سواء على مستوى الترغيب او الترهيب ، فيما تعول الاحزاب الوطنية التى لا تمتلك لا الارصدة المالية الكافية لفتح الدكاكين في الارياف ولا الجراة المعنوية على الترهيب وهي المبشرة بدولة العدل والحرية ، تعول على الثقة في ذكاء الناخب وعلى الاتصال المباشر به وتحصينه تجاه المال السياسي وشحنه بالروح الوطنية العالية وتذكيره بشيم الثورة والثوار الذين لا يمكن ان تباع ذممهم وتشترى ومحاولة توحيدهم باستحضار انتخابات اكتوبر 2011 وما اظهره الشعب التونسي من وعي وهمة عالية وتصميم جارف على القطع الكلي مع منظومة العصابات والمافيا ، ولكن الثابت في كل هذا والعامل المشترك بين الجميع هو ان العمل السياسي في تونس ، وبخاصة في مناطقنا الداخلية ، هو عمل موسمي انتهازي تغلب عليه روح التجارة الموازية والربح السريع رغما ما يبدو عليه من تطابق للقانون والتزام باحكامه ، وقد اثبتت التجرية الانتخابية الحرة الاولى في تونس أنه بمجرد نهاية التصويت واحيانا حتى قبل ظهور النتائج تتخلى كل تلك الاحزاب عن منخرطيها وابنائها فضلا عن الناخبين وتنقطع اواصر المحبة والود بينهم ويعود الناخب الى منطقة النسيان القديمة ويتملكه الشعور بضياع صوته وانتهاء دوره ، ويدب اليه الياس شيئا فشيئا من التواصل مع ممثليه ومع السياسة بصفة عامة ويبقى تحت ضغط وتاثير الاعلام النوفمبري الذي يصر على تحطيم الحياة السياسية وتمييعها وتهيئة الوضع والارضية لاستبداد جديد يعيدهم الى الارتزاق من الرشاوى السياسية على حساب عرق الفقراء والكادحين فالعمل السياسي في الحقيقة يجب ان يكون عملا قاعديا دائما ودؤوبا ولا ينقطع حتى تكون السياسة حركة حية في داخلنا وسعى مستمر نحو البحث عن افضل الخيارات لادارة الشأن العام ، وعلى السياسيين بصفة عامة ان يعيدوا ترتيب امورهم في اتجاه الارتباط بالناس ومشاغلهم والاقتراب منهم والتواصل الدائم معهم واشاعة الروح الوطنية بينهم ومحاولة الاستجابة لتطلعاتهم وربط حبل الثقة بين من يسمون انفسهم قياديين والقواعد وذلك ببسط نوع من الشفافية في التعامل والوضوح التام في الرؤى والمكاشفة والمصارحة بحقيقة الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومحاولة تشريك الناخب في البحث عن الحلول وايصال صوته ، ولا بد من التخلص من العقلية القديمة الموروثة عن الاستبداد وهي عقلية الغنيمة ،، فالناخب يعتقد ان المترشح يبحث عن غنيمة المال والشهرة والجاه ، ولكن اعتقد ان الوضع تغير في الحقيقة وان المسؤولية اثقل بكثير في عهد الحرية منها في عهد الاستبداد ، واستحضر قول صديق لي لما علم بان حزب المؤتمر من أجل الجمهورية اقترح على ان اكون على راس قائمته الانتخابية في الكاف للانتخابات المقبلة " نحبّو نعاونوك باش ادبّر بلاصة يا استاذ " وكان جوابي قاطعا " أنا الأن عندى بلاصة …وبلاصة باهية ..فمثماش بلاصة افضل من بلاصة المحامي في مكتبه فله نبل البلايص الكل اذا عمل بشرف وامانة وتجنّب السمسرة المهنية والسياسية "، ان "البلاصة" هي للبلد الذي يحتاج لابنائه الذين طالما استنكفوا عن العمل السياسي الذي اصبح لديهم بفعل ممارسة بعض الساسويين المتدنية والعنيفة والمبتذلة رديفا ل " تطييح القدر "وتركوا الساحة خالية للانتهازيين والوصوليين المدعومين والمسندين من جهات مشبوهة ، ان الوضع لم يعد يحتمل البقاء على الربوة وهو مطلوب من الجميع فكل منا يجب ان يقف على ثغرة من الثغرات التى قد تكون " باب غدر " جديد لعودة الاستبداد لبلدنا وذلك سواء كان ناخبا او مترشحا وعلينا الاستفادة من أخطاء الماضي بترشيد الممارسة السياسية واخراجها من اطارها الموسمي الذي قد ينفّر الناخب ويفقد العمل السياسي مصداقيته وجدواه ، علينا ان نتوجه جميعا لصناديق الاقتراع والمشاركة في الثورة الانتخابية الثانية على بقايا الاستبداد وما خلفه لنا من كوارث على مستوى مناطقنا الداخلية، فقد ورثت الكاف مثلا خلال ازيد من نصف قرن من الاستبداد وحكم التجمعيين الدساترة 30 بالمائة امية و10 آلاف عائلة تحت خط الفقر من جملة اكثر من ستين الف ، و30 الف مواطن اغلبهم في الارياف لا يتمتعون بالماء الصالح للشراب وربع اليد العاملة النشيطة عاطلون عن العمل ، والارقام المفزعة كثيرة … علينا جميعا مترشحون وناخبون واجب ومسؤولية انجاح المسار الانتخابي والانتقال الديمقراطي في بلدنا فهوالبديل الوحيد عن العنف وعن "داعش " وعن " دعشوش" ومشتقاتها وهو الكفيل بتقدمنا ورقينا ، وان تنافس الافكار والبرامج على ايجاد حلول لمشاكلنا هو الحل والناخب دائما يختار الأفضل فلا " تجمع الامة على الخطأ" ،كما علينا ان نقبل بالنتائج ونتعاون مع الحائز على ثقة الشعب وننصحه وننتقده ونعارضه بما لا يتعارض مع المصلحة العليا للبلد وان نترك مصالحنا الشخصية والحزبية الضيقة جانبا في الطريق نحو تثبيت الحرية والديمقراطية والتنمية المستدامة والرخاء لشعبنا المبدع على ارضه السخية والمثمرة ، وهو الاقدر على تحقيق المعجزة الاقتصادية والتنموية كما حقق معجزته الثورية والديمقراطية .