السلام عليكم... تابعت مثل عديد التّونسيين ذاك الحوار الصّحفي الذي كان للسّيد رئيس الحكومة مع ثلاثة صحفيّين من قنوات “الوطنيّة1′′ و “حنّبعل” و “نسمة”، وأكثر ما استرعى انتباهي في هذا الحوار ليس مضمون كلام الرّجل و خططه الإنمائية و برنامج حكومته، بقدر ذاك الموقف الذي يرقى حد العدائيّة بين الصّحفيين و بينه... فطلاقة وجه الرّجل و ابتسامته كانت تُقابل بأسئلة اُختيرَت فيها الكلمات بخبث ومكرٍ، بل وعداء... تجسّم كل ذلك في التّصويب على الجزء الفارغ من الكأس بتجاهل تامّ ومتعمّدٍ، للجزء الملآن منه و هو في نظري قد تجاوز النصف. و من هنا سأتناول في هذا الرّأي ثلاثة محاور في ثلاثة أجزاء: محورٌ يتّصل بحقّنا على صُحفيينا خاصة من يتقاضى راتبه من جيوبنا... و محورٌ أتعرّض فيه للخطاب الإعلامي و التّيار المهيمن عليه... و ثالث يتناول الحلّ الذي أراه ... فحسب المشهور و المعلوم أنّ العمل الصّحفي يقوم على نقل الوقائع كما هي دون موقف النّاقل لها، و هو ما يُسمّى بالحيادية و الّتي من الطّبيعي أن لا تكون مطلقة... إذ لا نلحظ هذه الحياديّة مثلا في أعتى الصّحف و المحطّات الغربيّة عند تناولها للشّأن الفلسطيني أو الإسلامي مثلا ... لكن نجدها حاضرةً عندما يتناولون شأنهم الدّاخلي بحيث يصعب على المتتبّع العادي إدراج صحفيٍّ أو نشريّة أو واضع خبرٍ ضمن تيّارٍ سياسيٍّ بعينه، من فرط المهنيّة و الحياديّة التي تطبع العمل الصحفي... أمّا في تلك المحاورة، فقد لمست تحزّبا و اصطفافا مع تيار من تيّارات السّياسة بعينه، تيّارٌ لم ينفكّ يضرب البلاد في استقرارها و في أرزاقها هذه الأيام، بعد أن اكتشف أنه خسر المناصب بخسارة الانتخابات... فكانت الأسئلة في مُعظمها على شاكلة تقريرٍ لحالة يفرضها السؤال حقيقةً... ثمّ استفسارٌ عن سببها أو عن رُؤية رئيس الحكومة لحلّها. و هذا الأسلوب معروفٌ بعكسه تماما في المحاورات التي عهدناها عنهم مع المسؤولين قبل قيام الثورة، حيث تكون على شاكلة تقرير بنجاح فاستفسارٌ عن الحكمة البالغة و الرّشد الباهر و التّبصّر الخارق، الذي يقف خلف ذلك النجاح، و هو ما نسمّيه في دورات التكوين في القيادة البشريّة بسؤال “بما أنّك مريضٌ جدا، و حالتُك تسوء كلّ يومٍ جديدٍ، فما هو حسب رأيك سبب مرضك؟ “... و لأبسّط لك الموضوع قارئي الكريم، فالسّؤال هنا قد تحوّل بالمكر و الدّهاء، من السُّؤال عن حالة الرجل المسؤول، إلى الإقرار بأنّه مريض جدّا، ليبقى منحصرا في سبب تلك الحالة. و هذا أسلوبٌ معتمدٌ كثيرا في التّحقيقات الأمنيّة لأن الإجابة عن السُّؤال هو إقرار بجزئه الأوّل و الذي يكون دوما عينُ التّهمة. فهل تعكس الأسئلة التي وردت في الحوار ما يدور في ذهننا كلّنا باختلافنا؟ و هل ورد سؤال من أولئك الذين يمثّلون الأغلبيّة في الشّعب و انتخبوا الرّجل؟ ... بل بالعكس جاءت الأسئلة كلّها من خانة صفر فاصل... و هنا العيب الكبير... أن تعكس رأي الأقليّة و لا تعكس رأي الأغلبية... فلنا حقّ على أولئك السّائلين أن يكونوا عادلين في توزيع أسئلتهم، فتكون عاكسةً لرأي كلّ الشّعب بأغلبيته و أقلّيته. و أن يكون رأي الأغلبية ظاهرا خاصّة في أسئلة ذلك الذي يُمثّل قناتنا العمومية... لأنها لنا، أي لكلّ الشعب، و يجب أن يكون تناولها لمواضيع الشعب حسب منوال الشعب لا حسب منوال مجموعة صغيرة لا تتجاوز أصابع اليدين، تتحكّم في الخط التحريري لمؤسستنا العموميّة، واصطفت عكس خيارات الشعب. و هنا يتحقق النقل العمومي للوقائع كما هي، دون توجيه و اصطفاف مع مصالح و أفكار صوّت لها الشعب بنسبة قليلة. و ليس هذا الرأيُ بدعة فأنت تُدرك ما أقول عند اطّلاعك على ما يصدُر في إعلام أعتى الديمقراطيات و أعرق المجتمعات في الحرّية ، حيث أن وسائلهم العمومية تنقل و تُترجم وتُحلّل الخيارات العموميّة، و الأفكار العموميّة... مع حضور بنسبة معينة لما يخالف تلك الخيارات، و التي يجب أن يكون لها صدى في انتخاباتهم، أما تلك التي ليس لها حضور فيها، أو تحصّلت على نسبة ضئيلة لا تُذكر، فهي تكاد تكون معدومة الحضور، و أتذكّر هنا جيدا أني أرسلت ذات يومٍ مقالا يتناول صفات الرسول صلى الله عليه و سلّم في الحرب، إلى جريدة عريقة في الولاياتالمتحدة أو لأقل أعرق جريدة فيها و في العالم، إلاّ أنها لم تُنشر... و عند بحثي في السبب قيل لي أنها لا يُمكن أن تنشُر مقالا يشيد بما يعتقده عشرة في المائة منهم فقط و ذلك احتراما.... لمعتقدات الأغلبيّة. و إلى اللقاء إن شاء الله في المحور الثاني فتحي الزغل [email protected] facebook: Fathi ZGHAL