لقد تركزت كتاباتي طوال الفترة الماضية على التنبيه من المخطط الذي يعده الحكومة الحالية والحزب الحاكم الجديد القديم الذي استعاد زمام المبادرة بعد الانتصارات العديدة التي حققها على العديد من الأصعدة وليس المجال هنا لتعدادها إو إبراز أسباببها ومسبباتها… لكننا كنا نبهنا أن هذه الحكومة بتركيبتها تلك وتحالفاتها وخلفيتها الفكرية وتاريخ رموزها… تجعلنا نجزم أنها ليست بارعة إلا في مجال واحد وهو المناورة السياسية والقدرة الفائقة على الكذب والتزوير وطمس الحقائق وتشويه وتدمير المخالفين وذلك بالاعتماد على العديد من الأساليب ولوجود العديد من الأطراف الداعمة لها والتي ترى أن مصلحتها مرتبطة بنجاحها وتمكنها من إعادة الأمور إلى نصابها ..كما كان الحال في الماضي القريب قبل 2011 … والمؤشرات على ذلك كثيرة وقد كنا عددنا الكثير منها خلال كتاباتنا السابقة… ونعود لنؤكد اليوم أن تلك المخاوف والتقديرات أصبحت أكثر ما يكون تأكدا وأكثر ما يكون قربا من التنفيذ والتحقق ولم تعد المسألة إلا مسألة وقت وتبويب للأولويات… ويبدو أنه أصبح اليوم من بين أكبر الملفات المطروحة على طاولة الحزب الحاكم الجديد القديم وحكومته ..ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أضحى شوكة في حلقهما والذي بات لا مفر من مواجهته… فالاتحاد العام التونسي الذي كان له دور كبير في تهيءة الظروف لصعود هذا الحزب ووصوله إلى الحكم والذي كان أحد أهم الأدوات التي كان يستخدمها من أجل تركيع حكومة الترويكا الانتقالية.. أصبح اليوم يمثل عبءا ثقيلا على كاهل هذا الحزب وحكومته بطلباته التي لا تنتهي وإضراباته التي أصبحت مصدر قلق كبير له… ( بعد أن كان نقس ذلك الحزب يحرض عليها ويعتبرها حقا لا يمكن المساومة عليه ) وما يؤشر على نفاذ صبر الحكومة والحزب الحاكم تجاه الاتحاد وخاصة نقابات التعليم.. هو ذلك التحريض التهجم والتخوين الذي أصبحت ترمي به كافة العاملين بذلك القطاع ونقاباتهم على مختلف مستوياتها وقد وصل بالمدعو "أحمد بن حسانة" في برنامج على قناة "حنبعل" يتناول موضوع إضراب الأساتذة ومطالبهم بأن وصف نقابة التعليم الثانوي "بالمجرمة" وبأن يتهم كاتبها العام "بالإجرام" متهما إياه بتوظيف العمل النقابي لتحقيق مكاسب انتخابية شخصية "خلال مؤتمر الاتحاد القادم"؟؟؟ وهنا نحن نحذر من أنه هناك مخطط جاهز وتصميم على ضرب العمل النقابي وضرب الاتحاد العام التونسي للشغل "لإعادته لبيت الطاعة" من طرف هذه الحكومة التي أطلقت بيادقها في الإعلام لشن هذه الحملة الشرسة على الأساتذة ونقابتهم لترهيبهم وتركيعهم وشق صفوفهم كخطوة أولى ثم لتوجيه الضربة القاسمة لهم وللاتحاد من خلالهم .. إما بتلفيق محاكمات لبعض قياداته بتهمة تهديد الأمن العام والمصلحة العليا للبلاد (وهي ما تسعى الحكومة أن تدفع إليه نقابة التعليم الثانوي وغيرها من النقابات ) من خلال ممارستها لسياسة "الآذان المسدودة" والمماطلة والتسويف والاستفزاز ..حتى تنفلت الأمور ويصبح تدخل الدولة مبررا أمام الرأي العام .. بما يمكنها من توجيه ضربتها دون خسائر تذكر أو بأقل ما يمكن من الخسائر… والذي يزيد من شكوكنا هذه… هو شراسة هذه التهجمات التي ما كان لها أن تكون بتلك الحدة ولا بذلك التكرار والتوتر لولا وجود ضوء أخضر أو حتى تحريض من الحكومة ومن الحزب الحاكم… ونحن حقيقة لا نستغرب من كل هذا الذي يحدث ومما سيحدث في المستقبل نظرا لطبيعة هذا الحزب الحاكم وطبيعة مكوناته…وإلى عدم وجود أي برنامج سياسي واقتصادي له ولا لحكومته الهجينة… ونظرا للظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الوطني الذي تعرض للنهب الممنهج والتدمير طيلة عقود… ونظرا لعدم جديته في فتح ملفات الفساد أو محاربته أو القيام بالإصلاحات الهيكلية الشاملة المطلوبة على جميع الأصعدة لا عاجلا ولا آجلا… ونظرا لارتفاع سقف مطالب وطموحات التونسيين الذين طال صبرهم وكاد أن ينفد … كل هذه التركيبة شديدة الانفجار لن تقدر على الثبات إلا في حالة واحدة وهي أن يتم تعريضها للضغط الشديد… وهو الحل الوحيد القادرة عليه حكومة بتلك التشكيلة وحزب حاكم بتلك المواصفات… لذلك فإننا نجزم أن الحل في المستقبل لن يكون إلا قمعيا.. وعلى كافة الأصعدة… وخاصة نحن نسمع العديد من العبارات الاستباقية التي تهيئ بها الأطراف الحاكمة الناس لتقبل ما سيتم اتخاذه من إجراءات قمعية من قبيل: محاربة الإرهاب… إعادة هيبة الدولة… التطبيق الصارم للقانون… حماية المصلحة العليا للبلاد… تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الضيقة… لم يعد مسموحا لأحد أن يهدد أمن البلاد… كبر وتعقيد الملفات المطروحة وعدم القدرة على حلها في القريب العاجل… ضرورة التحلي بالصبر والتضحية من أجل الوطن… كلام جميل منمق لكن الهدف من ورائه هو ضرب كل من يطالب بحقوقه أو يطالب بفتح ملفات الفساد أو بمحاربة المفسدين أو بتفكيك لوبيات النهب والسرقة والتهريب أو فتح ملفات التهرب الضريبي أو تبييض الأموال أو هدر المال العام… إلى آخره من الأمراض المزمنة التي تنخر جسم الوطن… الوحيد الذي يجب أن يدفع الضريبة دائما هو المواطن البسيط… لا مجال لاسترجاع الأموال المنهوبة.. لا مجال لضرب المفسدين.. لا مجال لتحقيق العدالة الجبائية.. لا مجال لتحقيق العدالة الاجتماعية… لا مجال لتحقيق الإصلاح الهيكلي لكل القطاعات التي نخرها الفساد من قضاء وأمن وصحة وقطاع طاقة وديوانة وتعليم…. الاصلاح الوحيد الذي تقره هذه الحكومة هو إلغاء صندوق الدعم أو التقليص من تدخله إلى الحد الأدنى و الترفيع في ضرائب وتنويعها خاصة على الموظفين الذين لا يمكنهم التهرب مثلما يفعل الآخرون… وكل هذه الوصفة لن تقدر السلطة على تمريرها إلا باعتماد القمع والدكتاتورية… لأن الديمقراطية والشفافية والحرية تتناقض تماما مع الفساد بمختلف أشكاله… لذلك فإننا متأكدون أن البرنامج السياسي لهذه الحكومة الذي طال انتظاره والذي لن يكشف عنه …هو اللجوء إلى القضاء على كل أشكال الحريات وإعادة تركيز السلطة المطلقة بيد الدولة وفرض الأمر الواقع على الجميع بالقوة والفمع والبطش… وهذا يقتضي ضرب كل الهيئات والمنظمات والأحزاب التي يمكن أن تقف حجر عثرة أمام هذا المشروع لذلك فإنه يتم تحييد البعض مؤقتا "مثل النهضة" بتشريكها صوريا في الحكم… ليتم التفرغ لضرب الاتحاد العام التونسي للشغل أولا ثم يتم تصفية هيأة الحقيقة والكرامة أو إفراغها من مضمونها وتمييعها .. ليتم التفرغ بعد ذلك لضرب النهضة ومن ورائها كل المعارضة …وهكذا يستتب الأمر للحاكم بأمره الجديد ليخضع الشعب لإرادته ليبقى الفقير المعدم غارقا في فقره… ويزيد أصحاب الميليارات ثراء على ثرائهم… تنويه : كل ما ينشر في ركن الراي الاخر لا يلزم الا كاتبه