مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعاد البيولي الشفّي («الجبهة الشعبية») ل «التونسية»:عقلية الهيمنة والإقصاء تسيّر الائتلاف الحاكم
نشر في التونسية يوم 23 - 02 - 2016


التّراخي في مقاومة الفساد رضوخ للابتزاز
مساندة العاطلين والمفقّرين شرف لنا
قانون المصالحة محاولة للسّطو على العدالة الانتقالية
تفاقم الفقر دليل على توجّه معاكس لأهداف الثّورة
حوار: أسماء وهاجر
أين الائتلاف الحاكم من أهداف الثورة؟ هل يسير إلى الأمام من أجل تحقيقها أم يعتمد سياسة الهروب إلى الأمام من أجل تغطية الفشل والعجز أم أن كل المؤشرات تشير إلى أنه يعود إلى الوراء بثبات؟ أين محاربة الفساد؟ من يعطل فتح ملف الفاسدين؟ من يحميهم ولماذا كل هذا التراخي والحال أنّ أحد شعارات الانتخابات كان استرجاع هيبة الدولة؟ ما حكاية اتباع سياسة «تقليم الأظافر» تجاه المحتجّين من أجل إفراغ التحركات الاجتماعية من محتواها وتحويلها إلى جريمة معاقب عليها؟ وأين وصل تفعيل الشعارات المدسترة مثل استقلالية القضاء والأمن الجمهوري؟ وإلى أيّ مدى وفّقت تونس في اختيارها الحياد التام والبرود إزاء الملف الليبي؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحتها «التونسية» في حوارها مع سعاد البيولي الشفي النائبة بالبرلمان والقيادية ب«الجبهة الشعبية» التي أفادتنا أن تفاقم الفقر هو عنوان من عناوين السير في اتجاه معاكس لأهداف الثورة وأنّ الائتلاف الحاكم هو المسؤول عن ذلك وان عجز الحكومة عن مواجهة الفساد هو رضوخ من الدولة لابتزاز بعض الفاسدين. تونس لا تسير في الاتجاه الصحيح الذي يؤدي إلى تحقيق أهداف الثورة، إذن ماذا تفعل الحكومة والمجلس؟ من يتجه بتونس إلى الوراء؟
- كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تدل على وجود أزمة بدأت تحتد. فكل التقارير الاقتصادية الوطنية والدولية تؤكد تراجع نسبة النمو بشكل خطير إذ أنها لن تسمح بتحقيق التنمية ولا مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها بلادنا وفي المقابل نلاحظ تشبث الحكومات المتعاقبة بنفس السياسات الاقتصادية والتوجهات المالية ومواصلة نفس التمشي في معالجة القضايا المطروحة رغم أنها سياسات أثبتت فشلها وعدم ملاءمتها أو استجابتها لطموحات شعبنا في التشغيل والتنمية والعدالة الاجتماعية.
ومن المؤشرات أيضا الدالة على هذه الأزمة تفاقم ظاهرة البطالة ووصولها إلى درجات غير مسبوقة سواء بالنسبة لأصحاب الشهائد أو غيرهم. إنّ وجود أكثر من 650 ألف عاطل عن العمل يحتاج إلى مراجعة سياسة التشغيل ويحتاج إلى قرارات وإجراءات حكومية جريئة وشجاعة توفر عوامل مجابهة هذه الظاهرة التي أصبحت تؤرق كل العائلات التونسية تقريبا غير أننا نكتشف غياب برنامج واضح للحكومة بل إنها تعلن في ميزانية الدولة لسنة 2016 عن عدم الانتداب في الوظيفة العمومية وهي رسالة غير مطمئنة سدت آفاق الأمل في العمل أمام الشباب العاطل وهذا ما يفسر الاحتجاجات المتواترة التي شهدتها الجهات من قبل الشباب المعطل وهي احتجاجات مشروعة وقد نبهنا في «الجبهة الشعبية» إلى خطورة تخلي الدولة عن التشغيل وتنصّلها من مسؤوليتها تجاه هذا الشباب وتقدمنا باقتراح منحة البحث عن عمل لهؤلاء الشباب توفر له الحد الأدنى من الإمكانات المادية التي تساعده على مواصلة البحث عن شغل وتحفظ له كرامته إلا أن هذا المقتر ح رفض في المجلس رغم أننا اقترحنا مصدرا لتمويل هذا الاقتراح بسن ضريبة مؤقتة وبسيطة على الثروات الكبرى في حدود 1 بالمائة .
إنّ تنامي الفقر واتساع رقعته أصبح يهدد فئات واسعة من المجتمع في ظاهرة غريبة ومفارقة عجيبة. فقد ظهرت فئة من أصحاب المليارات والملايين الذين تنامت ثرواتهم في السنوات الأخيرة على حساب بقية شرائح المجتمع التي تدهورت قدرتها على توفير احتياجاتها الضرورية من صحة وتعليم وتغذية ونقل وهي حقوق مكفولة في الدستور وعلى الدولة أن تعمل على توفيرها .
كما أنّ سيطرة رأس المال على السياسة الاقتصادية الليبرالية التي تنتهجها الحكومة وغياب رؤية وسياسة اجتماعية تدعم العدالة الاجتماعية وتعمل على تقليص الفوارق الطبقية بين أبناء الشعب الواحد ساهم في تفاقم ظاهرة الفقر والجوع وهذا عنوان آخر من عناوين السير في اتجاه معاكس لأهداف الثورة .
لقد استسهلت الحكومة بأحزابها الأربعة التداين الخارجي والقروض الخارجية وقفزت نسبة التداين الخارجي والقروض الخارجية من 49.5 بالمائة سنة 2014 إلى 52,7 بالمائة هذه السنة وبهذا يصبح الدين العمومي لكل مواطن تونسي قد بلغ حوالي 4000 دينار. نحن في «الجبهة الشعبية» حذرنا كثيرا من سياسية اللجوء إلى الاقتراض الخارجي خاصة من الدوائر المالية المتحكمة والتي تفرض شروطا مجحفة على خياراتنا الاقتصادية والتنموية وتصوراتنا للحلول وتمسّ من استقلالية قرارنا الوطني ونبّهنا الائتلاف الحاكم إلى ضرورة البحث عن بدائل وآليات مختلفة لتوفير موارد للدولة كإعطاء الأولوية للتّداين الداخلي وحثّ التونسيين على المشاركة في النهوض بالاقتصاد الوطني والإسراع بالإصلاح الجبائي ومقاومة التهرب الجبائي القادر على توفير موارد ضخمة للدولة تفلت من بين يديها بسبب تنصل بعض أصحاب الثروات من الإيفاء بمسؤوليتهم إزاء المجموعة الوطنية وعدم جرأة الحكومة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستخلاص الضرائب من أصحاب المؤسسات الخاصة والمهن الحرة باعتبار أنّ الاكتفاء بالضرائب المستخلصة من الأجور يترك فراغا في الميزانية وشحا في الموارد المالية إضافة إلى تراخي الدولة في مقاومة ظاهرة التهريب والتجارة الموازية اللتين تفشّيتا وخرّبتا الاقتصاد الوطني وحرمتا الدولة من رسوم وضرائب كان يمكن أن تكون رافدا آخر لمواردها الذاتية والتي تمكنها من مجابهة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به بلادنا.
أغلب المؤشرات في تونس تدل على إقبال بلادنا على أزمة حادة متعددة الجوانب ونحن نعتبر أن الائتلاف الحاكم سيكون مسؤولا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسير بتونس إلى الوراء.
بين الحق في الاحتجاج والسقوط في الفوضى .. إلى أيّ مدى تدعمون في «الجبهة الشعبية» الاحتجاجات خاصة أنه تم سجن أحد قياداتكم عقب الأحداث الأخيرة ؟
- أولا أريد أن أبدا بتحية للمناضل برهان القاسمي ولكل مناضلي «الجبهة الشعبية» لثباتهم في مقاومة كل أشكال الظلم والقمع وأطالب السلطة القضائية بمراجعة أحكامها خاصة عندما تكون القضايا ذات طابع سياسي وتكون الكيدية فيها واضحة سواء في ظروف الاعتقال أو التهم الموجهة إليه والتي يكون القصد منها تكميم أفواه المعارضين ومصادرة حرياتهم .
مواقف «الجبهة الشعبية» كانت دائما واضحة ومساندة للتحركات والاحتجاجات السلمية ومناصرة لها وفي المقابل يبقى موقف «الجبهة الشعبية» مبدئيا ومعلنا ضد العنف والتخريب فنحن ندرك أن العنف لا يخدم إلا أعداء الحرية والديمقراطية و«الجبهة الشعبية» عانت من العنف واغتيل قائدان من زعمائها هما الشهيدان شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي. لنتفق بداية على أنّ الاحتجاجات الشعبية السلمية حق مشروع وتعبير جلي عن الديمقراطية الفعلية ولا يمكن تجريمها أو تجريم المحتجين السلميين .
وفي أعرق الديمقراطيات تخرج الشعوب في مسيرات ومظاهرات تعبيرا عن احتجاجها ورفضها ولا يستطيع أحد أن يزايد على «الجبهة الشعبية» أن ينقص من دورها أو يتهمها فمساندة أبناء شعبنا العاطلين والمفقرين والمقهورين شرف لنا وليس تهمة. لكن هناك أطراف لها أجندات معلومة وخفية كانت أصحاب مصلحة في إشاعة الفوضى والعنف للتغطية على أعمال التهريب والفساد فانتشار حالة من الانفلات وانعدام الأمن يخدم لوبيات التهريب والتجارة الموازية والتهرب الجبائي الديواني فتستغل بعض التحركات والاحتجاجات السلمية وتحول وجهتها نحو أعمال العنف والتخريب ومن هنا يتم إلصاقها بالمحتجين السلميين و«الجبهة الشعبية» كانت سبّاقة في التنديد بهذه الأعمال منذ الوهلة الأولى وبالتالي فنحن غير معنيين بهذه الاتهامات الواهية والصادرة من جهات تريد أن تصدّر فشلها وأزمتها السياسية إلينا. وقد نبهت «الجبهة الشعبية» مناضليها إلى ضرورة الحذر وتأمين التحركات السلمية التي تشارك فيها «الجبهة» من العناصر المشبوهة التي تمارس التخريب والعنف.
إلى أي مدى يحسب صوت معارضتكم في المشهد السياسي الحالي؟
- رغم التمثيلية البرلمانية القليلة العدد للمعارضة ول«الجبهة الشعبية» فإنّ «الجبهة» سواء في البرلمان أو خارجه استطاعت أن تحدث التوازن السياسي المفقود في المشهد التونسي ورغم أن صناديق الاقتراع لم تمكن «الجبهة الشعبية» من كتلة كبيرة العدد فإنّ ذلك لم يحرم هذه الكتلة من أن تكون قوة اقتراح وتعديل وتصد ورفض استجابة وتناسقا مع طموحات شعبنا ومع برامجنا التي طرحناها في الانتخابات واستطاعت كتلة «الجبهة الشعبية» أن تكشف السياسات الخاطئة الساعية إلى الهيمنة على المشهد البرلماني والسياسي في تونس. فقد تمكنا من إسقاط وإعادة النظر في فصول كثيرة من مشاريع القوانين المعروضة سواء في ما يخص المجلس الأعلى للقضاء أو المحكمة الدستورية أو الميزانية في علاقة بفصول المصالحة الاقتصادية . إلا انه يجب أن ننبه إلى أن الائتلاف الحاكم يدعو في خطبه إلى التشاركية والعمل التوافقي غير أن الممارسة تقوم على إقصاء «الجبهة الشعبية» والمعارضة عموما لفرض أجندات وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية لا تخدم الشعب وهذا جزء من أزمة أخلاقية وسياسية في البلاد ذلك أن «الجبهة الشعبية» قدمت للحكومة عددا من المقترحات والإجراءات العاجلة القادرة على إخراج البلاد من الأزمة التي تتخبط فيها وفسح المجال أمام مشاركة فاعلة بين مكونات المجتمع السياسي والمدني وتحديد أرضية للتوافق حول أهداف إستراتيجية قادرة على توفير ضمانات بناء الدولة المدنية الديمقراطية القوية إلا أن عقلية الهيمنة وإقصاء المخالفين هي التي تسيّر هذا الائتلاف الذي لا يخرج من أزمة إلا ليدخل البلاد في أزمة جديدة وضعت مصداقية الدولة وتماسك كيانها على المحك.
هناك من يطالب رئيس الحكومة بتمرير قانون المصالحة مادام يملك أغلبية باعتبار أنّه لا يمكن تنشيط الاستثمار دون مصالحة وطنية. كيف تقرؤون هذا الرأي بعيدا عن التجاذبات؟
- لابد من التذكير بداية أننا في «الجبهة الشعبية» متمسكون بالدعوة إلى المصالحة على أسس ثابتة وواضحة وشفافة والمصالحة ليست بدعة تونسية فكل البلدان التي شهدت ثورات مرت بمرحلة انتقالية وصولا إلى المصالحة الوطنية. الإشكال المطروح اليوم هو حصر المصالحة في طي صفحة الماضي وإغلاق الملفات المرتبطة بالانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام وهذا يكرس ظاهرة الإفلات من المحاسبة ويوسع دائرة الفساد والتفريط في المال العام وهو ما ينجر عنه حتما انعدام الثقة في مؤسسات الدولة من خلال تسوية جرائم خطيرة خارج إطار الشفافية المطلوبة. كما أنه يشيع حالة غياب الثقة في المجال الاقتصادي تضرب الاستثمار على عكس ما يسوّق له المساندون لهذا القانون.
من جهة أخرى يتجاهل هذا القانون المقدم الإطار السياسي والتاريخي وحتى القانوني الذي تمر به بلادنا. فتونس عرفت ثورة عظيمة لم تنزلق إلى الأحقاد والانتقام والتشفي وهذا يفترض أن تمر المرحلة الانتقالية بسلاسة من خلال تكريس منظومة العدالة الانتقالية القائمة على المصارحة والمساءلة والمصالحة وطرح مشروع قانون على النّحو الذي جرى هو سطو على منظومة العدالة الانتقالية وإفراغ لمضمونها وهذا مخالف للدستور.
وقد استنكرت «الجبهة الشعبية» إصرار الائتلاف الحاكم على تمرير هذا المشروع وخضنا الكثير من التحركات سواء داخل مجلس نواب الشعب أو خارجه ومع مكونات المشهد السياسي والمجتمع المدني وبالندوات الصحفية والاجتماعات لإسقاط هذا المشروع واعتقد انه قُبر ويجب ترك المجال لهيئة الحقيقة والكرامة للعمل على تكريس منظومة العدالة الانتقالية بمحاسبة الفساد وتوفير الإطار القانوني والاجتماعي لذلك .
أين وصل مشروع النهوض بالجهات المهمّشة؟
- بقدر ما نجحنا في تونس ولو جزئيا في البعد السياسي بانجاز انتخابات تشريعية ورئاسية وتركيز مؤسسات قارة ووضع دستور للجمهورية الثانية فإنّ البعد الاقتصادي والاجتماعي مازال يراوح مكانه رغم أن الثورة انطلقت من الجهات المحرومة والمهمشة الرافضة لغياب التنمية والعدالة الاجتماعية وسياسة التهميش. وكان من المفروض بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية واستقرار مؤسسات الدولة أن تبادر الدولة باتخاذ إجراءات عاجلة في اتجاه النهوض بالجهات المهمشة وتنفيذا للوعود الانتخابية التي سُوّقت خلال الحملات الانتخابية خاصة أنّ الدستور نصّ على التمييز الايجابي للجهات المهمشة وترك للحكومات العمل على إصدار قوانين داعمة لهذا التوجه وتنفيذ إجراءات في ذلك لكنّنا لم نَرَ أثرا للبُعد الاجتماعي والاقتصادي في مشاريع القوانين المقدمة في مجلس النواب ولا في إجراءات في الميزانيتين الأولى والثانية واكتفت الحكومة بخطاب إنشائي يقدم الوعود والآمال والأوهام أحيانا بإصلاح الأوضاع الهشة والمتردية في هذه الجهات وذلك ناتج عن غياب رؤية واضحة حول منوال تنمية جديد يقطع مع السياسات في الحكومات المتعاقبة التي كانت في خدمة فئة محدودة من أصحاب المال والسلطة المتنفذين الذين يتعاطون مع المسألة الاقتصادية والاجتماعية بمنطق الربح والخسارة .
بعد عودة «النهضة» إلى الصدارة في البرلمان ماذا تغيّر في الواقع السياسي ؟
- حركة «النهضة» هي جزء من ائتلاف حاكم قائم الذات وهو ائتلاف مبني على برنامج ليبرالي يميني مرتبط بخدمة فئة متحكمة في رأس المال ومفاصل الاقتصاد ومصالحه متشابكة على حساب بقية فئات الشعب. والواضح أن التمثيلية النيابية في مجلس النواب لحركة «النهضة» التي أصبحت بها الكتلة الأولى لم تحدث تغييرا كبيرا في المشهد السياسي. فما يجمع الائتلاف الحاكم من مصالح وتوجهات سياسية واقتصادية واجتماعية تمثل برنامجا واحدا لم يتغيّر، اختلافاته جزئية وشكلية والمشهد السياسي في تونس يحتاج إلى توازن قائم على برنامج مختلف ورؤية مختلفة عن هذا الائتلاف وقادر على خلق معادلة متوازنة ذات بعد اجتماعي يكرس نموذجا اقتصاديا واجتماعيا يخدم الفئات التي عانت طيلة العقود الماضية من سياسة الحزب الواحد والتصور الواحد والنموذج الواحد ويقطع مع هيمنة رأس المال على كل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
قضاء مستقل وأمن جمهوري، أي اثر لهذه الشعارات بالنظر لما يقع وللأحداث التي تداولتها وسائل الإعلام مؤخرا ؟
- المؤسسة القضائية والمؤسسة الأمنية عانتا من هيمنة السلطة الاستبدادية في العهود السابقة رغم وجود عديد الشرفاء فيهما الذين تصدوا لهذه السلطة ووقفوا في وجهها إلا أن تأسيس قضاء مستقل وعادل ومنصف يتطلب تفعيلا لمبادئ الدستور من خلال القرارات والإجراءات والقطع مع ثقافة الهيمنة التي كانت سائدة من قبل السلطة التنفيذية لتسيير وتوجيه القضاء خدمة لها ونحن على ثقة بأن القضاة الشرفاء الذين قاوموا فترة الاستبداد هذه السياسيات سيكونون فرسان استقلال القضاء وتكريسه وتجسيده في الواقع رغم محاولات الهيمنة عليه وهي معركة يجب على كل القوى الحية والديمقراطية أن تنخرط فيها وكلنا أمل أن ينجح القضاة التونسيون – مع مختلف قوى المجتمع المدني –في تجسيد تطلعات شعبنا في وجود مؤسسة قضائية مستقلة ونزيهة وعادلة .
هو نفس الطموح بالنسبة للمؤسسة الأمنية التي عانت كثيرا من توظيف السلطة الحاكمة لها في ضرب شعبنا وقمعه والعمل بسياسة التعليمات والخضوع لها ويجب أن ينجح المجتمع في تثبيت أسس ومقومات الأمن الجمهوري باعتبار ذلك ضمانة وشرطا أساسا لتكريس الدولة الديمقراطية المدنية الحامية للحقوق والحريات. هل تمّت التعددية النقابية بقرار سياسي لتقليم أظافر «الاتحاد» كما صرّح البعض بذلك أم من أجل تعزيز مصالح الطبقة الكادحة. ما هو الإطار الحقيقي لهذه التعددية؟
من الناحية المبدئية التعددية الحزبية أو النقابية هي مكسب ديمقراطي ولكن إذا لم تكن التعددية النقابية نتاج حاجة ومطلب عمالي صادر عن الطبقة الكادحة التي تختار هذه التعددية النقابية تحقيقا لمصالحها يمكن أن تكون عبئا على العمل النقابي وتعطيلا لمصالح العمال وارتهانها من أطراف معينة .وفي واقع الحال الكل يعلم أن الاتحاد العام التونسي للشغل هذه المنظمة العريقة كانت حاضرة في كل المحطات الوطنية والسياسية والنقابية وكانت الحاضنة التي حمت الشغالين من الاستغلال والسطو على حقوقهم كما كانت الخيمة الجامعة التي احتمى بها كل من تعرض إلى القمع والظلم في فترة الاستبداد. فقط أصحاب النفوس المريضة هم الذين يعتقدون أنهم يحرجون الاتحاد العام التونسي للشغل بطرح التعددية النقابية أو أنها تمس من دوره الطلائعي وكل المحاولات السابقة للتعددية النقابية والتي كانت تدار من وراء الستار ومن خارج العمال ومصالحهم والتي سعت السلطة في الحكومات المتعاقبة من خلالها إلى إضعاف الاتحاد العام التونسي للشغل منيت بفشل ذريع وخرج منها الاتحاد أقوى بفضل صلابة هياكله ووضوح رؤيته وأهدافه والتفاف أبناء حشاد وتمسكهم بمنظمتهم العتيدة.
هناك اتهام اليوم ل«الاتحاد» بأنه يمارس السياسة ويهمل ملفات جديرة باهتمامه؟
- أن الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال والشغالين هو جوهر العمل النقابي وهو أرقى أشكال الالتزام السياسي. فالانخراط في النضال من أجل حقوق العمال هو استجابة وتجسيد لتصورات سياسية وبرامج اقتصادية واجتماعية .
أن الاتحاد مؤمن بتلازم المطالب الاجتماعية والاقتصادية للشغالين مع الشأن السياسي والوطني ومحاولة حصر دور الاتحاد العام التونسي للشغل في الجانب المطلبي كان دائما تعبيرا عن النظام الاستبدادي الذي يريد أن يحصر العمل السياسي في حزب واحد أو مجموعة واحدة ويقصي الأطراف التي تختلف مع تصوراته وبرامجه .
تاريخيا الاتحاد ومنذ نشأته قام على التلازم بين المسائل الوطنية والاجتماعية وهذه نقطة قوته التي مكنته من أن يقود الحركة الوطنية التحررية وان يكون سباقا إلى تحمل المسؤولية الوطنية قبل الثورة وبعدها في الصفوف الأولى لمقاومة الاستبداد والاستغلال وكان السباق إلى الدعوة إلى الحوار الوطني في فترة كانت تنذر بانزلاق خطير نحو العنف بعد اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي وكل العالم يعترف للاتحاد بدوره الوطني والريادي إضافة إلى دوره النقابي وما جائزة نوبل إلا اعتراف عالمي بهذا الدور إلى جانب بقيّة الرباعي طبعا.الاتحاد العام التونسي للشغل مدرسة للنضال في صفوفه يتعلم التونسي معنى الوطن ونكران الذات والالتحام بهموم الشعب ولا عجب فأغلب مناضلي «الجبهة الشعبية» ينتمون إلى هذه المدرسة العريقة وينشطون في هياكلها ويناضلون من اجل حقوق أبناء شعبنا ويستلهمون من زعماء الاتحاد دروسا في حب تونس وشعب تونس.
أين وصلت الحرب على الفاسدين والحال حسب تصريحات بعض المحللين أن «حيتان الفساد» تفعل ما تريد ولا رقيب عليها... من يحميهم؟
- من المفارقات أن الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد شعار يرفعه الجميع ولا نجد له صدى في إجراءات شجاعة وجريئة للضرب على أيادي الفاسدين فلا وجود لخطط وبرامج للمراقبة والمحاسبة والحال أن دستور الجمهورية الجديد نص على تركيز هيئة للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد تكون منتخبة.
كما أنّ تقارير المنظمات ذات الصلة تؤكد أن تونس تراجعت في مجال مكافحة الفساد بل أن الفساد استشرى أكثر في اغلب مفاصل أجهزة الدولة والمؤسسات ويمكننا أن نجزم أن الإفلات من المحاسبة هو الذي وفر الغطاء والفرص للفساد والفاسدين للتمادي وتوسيع مجال نشاطهم إضافة إلى أن بعض الإجراءات توجه إلى الحلقة الأخيرة من لوبيات الفساد وهي الحلقة الأضعف ولا تتوجه إلى عمق هذه الظاهرة للحد منها والقطع معها وفتح الملفات الكبيرة والخطيرة التي تهدد كيان الدولة وأجهزتها ومصداقيتها وتنخر اقتصاد البلاد وتخربه. إن التراخي في مواجهة الفساد بدعوى السعي إلى توسيع الاستثمار هو رضوخ من الدولة لابتزاز بعض الفاسدين وتوفير غطاء لهم ولغيرهم للإفلات من العقاب والتمادي في نفس النهج.
فشل في حل ملف التونسيين العالقين بالخارج.. فشل في معالجة علاقات مع بعض الدول.. هل هي علامات وهن الدولة؟
- يجب الانتباه في هذه المسألة إلى أن تونس في الوقت الراهن مازالت في وضع انتقالي وهو وضع قد يجرنا إلى الكثير من الانزلاقات وغياب تصورات إستراتيجية في إدارة الشأن الداخلي والخارجي في أبعاده المغاربية والعربية والدولية سيؤدي إلى حالة من التخبط في المواقف والارتجال في القرارات مما يوصل رسائل غير ايجابية للأشقاء وللأصدقاء وقد يبعث على الريبة في سياسة الائتلاف الحاكم الذي يربط هذه المسألة بمصلحة حزبية ضيقة لا تراعي مصالح الدولة العليا وتقاطعها مع مصالح الأشقاء والأصدقاء .يجب أن تستند سياستنا الخارجية إلى إقامة علاقاتنا على أساس المصالح المشتركة والابتعاد عن الانخراط في سياسة المحاور لما تجره من تبعات على البلاد وتعرّض مصالح التونسيين بالخارج إلى هزات ومخاطر عديدة ومتنوعة ونحن في «الجبهة الشعبية» حذرنا من غياب رؤية واضحة في سياساتنا الخارجية ومن الدخول في محاور لا تخدم المصالح العليا للدولة التونسية ومواطنينا بالخارج.
هل أنتم راضون عن طريقة التعامل مع الملف الليبي؟
- نحن في «الجبهة الشعبية» نرفض إي تدخل أجنبي في الشقيقة ليبيا تحت أيّة تعلة فالأطراف التي تدعو إلى تدخل عسكري بدعوى محاربة الإرهاب هي في الحقيقة تحمي مصالح القوى العظمى وتضع يدها على الثروات الطبيعية لليبيا وللسطو عليها وللأسف لم تسع الحكومة التونسية إلى أن يكون لها دور إيجابي في إيجاد حلول للوضع الليبي المتأزم والدفع نحو إقامة حوار يجمع القوى الوطنية الليبية ويدفعها للاتفاق على حل سلمي وطني يحفظ للدولة الليبية كيانها وللشعب ثرواته.
إنّ ترك المجال للقوى الكبرى لدقّ طبول الحرب وإعلانها وتنفيذها بدعوى محاربة الإرهابيين يمكنها من إحكام سيطرتها على المنطقة بأكملها والتحكم في مصيرها هذه القوى التي دعمت الإرهاب والإرهابيين بالسلاح والتموين والتدريب وتوفير الغطاء الدولي لها في ليبيا وسوريا واليمن والعراق لا يمكن أن تكون صادقة في محاربة الإرهاب والإرهابيين وليس من مصلحتها أن ينجح التحول الديمقراطي المدني في البلدان العربية لأن هذا قد يهدّد مصالحها القائمة على التحكم في مصير البلدان العربية وشعوبها. من هنا جاء خطر السياسة السلبية التي تتبعها الحكومة التونسية في علاقة بالشأن الليبي ويهدد البناء المدني الديمقراطي الذي بدأ يتأسس في تونس فمتى اندلعت الحرب لا أحد يمكن أن يمنع تمددها جغرافيا وسياسيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.