في شهر جوان.. 3 مباريات ودية للمنتخب التونسي    الكرة الطائرة.. الترجي يتأهل الى نهائي الكاس    القيروان.. البرد يتسبب في اضرار بمحاصيل الحبوب والاشجار المثمرة    القصرين.. حجز 2147 قرصا مخدرا بحوزة شخصين على متن سيارة    صفاقس : عودة متميزة لمهرجان سيدي عباس للحرف والصناعات التقليدية في دورته31    بنزرت: إلغاء إضراب أعوان الشركة الجهوية لنقل المسافرين المبرمج ليوم الأربعاء 07 ماي    مهرجان محمد عبد العزيز العقربي للمسرح...دورة العودة والتجديد و«ما يراوش» مسك الختام    لأول مرة في السينما المصرية/ فيلم يجمع هند صبري بأحمد حلمي    إلزام الناشرين الأجانب بإرجاع كتبهم غير المباعة إجراء قانوني    وفاة 57 طفلا والمأساة متواصلة ... غزّة تموت جوعا    هبة يابانية    نسبة التضخم تتراجع الى مستوى 6ر5 بالمائة خلال شهر أفريل 2025    قابس: مستثمرون من عدّة دول عربية يشاركون من 07 الى 09 ماي الجاري في الملتقى العربي للاستثمار السياحي والاقتصادي بقابس    شراكة تونسية قطرية لتعزيز القطاع الصحي: 20 وحدة رعاية صحية جديدة خلال 3 أشهر    الحماية المدنية تنبّه من الممارسات التي تساهم في اندلاع الحرائق    عاجل/ إعلام إسرائيلي: تم تدمير ميناء الحديدة في اليمن بالكامل    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    ثلاث جوائز لتونس في اختتام الدورة 15 لمهرجان مالمو للسينما العربية    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: ايقاف مباراة الملعب القابسي ومستقبل القصرين    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    أريانة: سرقة من داخل سيارة تنتهي بإيقاف المتهم واسترجاع المسروق    وزير الاقتصاد والتخطيط في الكاف : لدينا امكانيات واعدة تنتظر فرص الاستثمار    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    عاجل/ رفض الإفراج عن هذا النائب السابق بالبرلمان..    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    في قضية مخدرات: هذا ما قرره القضاء في حق حارس مرمى فريق رياضي..#خبر_عاجل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة عمل إلى تونس بيومين    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    دوار هيشر: 5 سنوات سجناً لطفل تورّط في جريمة قتل    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم
نشر في صحفيو صفاقس يوم 29 - 06 - 2015

تذكير الناس بحقيقة الدنيا للإنابة والتوبة إلى الله جل وعلا قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.
وهذا هو لقاءنا السادس من لقاءات هذه السلسلة، وحديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عن علامة من علامات الساعة الكبرى التي ذكرها المصطفى في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن أُسَيد الغفاري قال: اطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال المصطفى : ((ما تذاكرون))؟ فقالوا: نذكر الساعة، قال المصطفى: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))([1]).
تكلمنا عن الدجال ونزول عيسى عليه السلام وحديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عن يأجوج ومأجوج.
وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا، فسوف أركز الحديث مع حضراتكم اليوم عن يأجوج ومأجوج في العناصر التالية:
أولاً: تأصيل لغوى شرعي مختصر.
ثانياً: بعث النار.
ثالثاً: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج.
رابعاً: خروجهم بين يدي الساعة.
خامساً: عيسى بن مريم والدعاء المستجاب.
فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب، والله أسأل أن يجعلني وإياكم جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب .
أولاً: تأصيل لغوى وشرعي مختصر:
أيها الأحبة: لقد أورد كثير من المؤرخين والمفسرين أخباراً عجيبة وروايات غريبة عن يأجوج ومأجوج، ذكروا في هذه الروايات والأخبار أصلهم، ونسبهم، وأشكالهم، وألوانهم، ومكانهم!!
وهذه الأخبار والروايات لا تعدو أن تكون مجرد خرافات وأوهام وخيالات وأساطير، لأنها أُخِذَت من الإسرائيليات.
أُخِذَت من غير المصادر اليقينية أي القرآن والسنة النبوية الصحيحة، فلا يجوز لأحدٍ بحال أن يتكلم في مثل هذه الأمور الغيبية إلا بالدليل الصريح من القرآن أو بالدليل الصحيح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
فلسنا في حاجة على الإطلاق لأن نلهث وراء الإسرائيليات والأخبار العجيبة والموضوعة لنتكلم عن يأجوج ومأجوج أو عن ذي القرنين ،وإنما يجب علينا جميعا أن نقف عند النص اليقيني في كتاب ربنا وفي سنة الحبيب نبينا ففيه الغنى.
يأجوج ومأجوج أُمَّتَانِِ من البشر من ذرية آدم عليه السلام يتميزان عن بقية البشر بالاجتياح المروع والكثرة الكاثرة في العدد والتخريب والإفساد في الأرض بصورة لم يسبق لها مثيل.
وقال المحققون من أهل اللغة نقلا عن ابن منظور في لسان العرب وغيره قالوا :
يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان مشتقان من أجيج النار أي من التهابها ومن الماء الأجاج وهو الشديد الملوحة والحرارة .
فشبَّهوهم بالنار المضطرمة المتأججة وبالمياه الحارة المحرقة المتموجة لكثرة تقلبهم، واضطرابهم، وتخريبهم، وإفسادهم في الأرض .
هذا هو التأصيل اللغوي الذي لابد منه بداية حتى لا نطلق لخيالنا العنان لنلهث وراء الخرافات والأساطير والأوهام .
لذا أخبرنا المصطفى أن يأجوج ومأجوج هم بعث النار يوم القيامة وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء:
ثانياً: بعث النار:
ففي الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال: ((يقول الله يوم القيامة: يا آدم فيقول آدم: لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول الله جل وعلا: أَخْرِج بعث النار فيقول آدم عليه السلام: وما بعث النار يا رب؟، فيقول الملك: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى جهنم، وواحد إلى الجنة)) فشق ذلك على أصحاب النبي المختار، وفي رواية ((فيئس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة))، وفي رواية ((فبكى أصحاب الرسول وقالوا: يا رسول الله وأينا ذلك الواحد))؟ فقال المصطفى :((أبشروا! أبشروا! فمن يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد)) ثم قال المصطفى : ((والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة)) فكبرنا. قال: ((والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة)) فكبرنا . فقال المصطفى في الثالثة: ((والله لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة)).
أمة النبي أمة مرحومة.. أمة النبي أمة ميمونة .
و كدت بأخمصي أطأ الثُّريا
ومما زادني فخرا وتيها
وأن أرسلت أحمد لي نبيا
دخولي تحت قولك يا عبادي
اسجد له شكراً أنك من أمة الحبيب محمد ، فأمة المصطفى أمة مرحومة أثنى عليها ربها وأثنى عليها نبيها .
قال الله لها: كُنتُم خَيرَ أُمَّةِ أُخرِجتْ لِلنَّاسِ .
قال الله لها: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143] .
وفى الحديث الذي رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه بسند حسن قال المصطفى : ((أنتم موفون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله جل وعلا))([2]).
أنتم خير الأمم.. أنتم أكرم الأمم على الله جل وعلا .
بل وفي صحيح البخاري من حديث أبى سعيد الخدري أن الحبيب النبي قال: ((يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: يا نوح هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم يا رب. فيدعى قومه ويقال لهم: هل بلغكم نوح؟ فيقول قوم نوح: لا ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقول الحق جل وعلا: وهو أعلم، من يشهد لك يا نوح؟ فيقول نوح: يشهد لي محمد وأمته، يقول المصطفى: فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أدعى فأشهد عليكم ))([3]).
وذلك قول الله جل وعلا : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا .
بل ومن الأحاديث الممتعة التي تبين فضل السابقين واللاحقين من أمة سيد النبيين ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة أن النبي أتى المقبرة يوما فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون)) ثم قال الحبيب 0: ((وددت أنَّا قد رأينا إخواننا)) فقال الصحابة: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال : ((أنتم أصحابي، وإخواننا قوم لم يأتوا بعد)) فقال الصحابة: فكيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال المصطفى : ((أرأيت لو أن رجلا له خيلُُ غُرُّ مُحَجَّلَة بين ظَهْرَي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ (أي سود) ألا يعرف خيله))؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال المصطفى : ((فأنهم يأتون غُراً محجلين من الوضوء ))([4]).
أحبتي في الله:
أقف الآن وحضراتكم مع هذا الحوار الجميل بين ذي القرنين وقوم تعرضوا للفساد والإيذاء على أيدي يأجوج ومأجوج وهذا هو عنصرنا الثالث بإيجاز .
ثالثاً: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج:
لقد حكى الله قصة ذي القرنين في سورة واحدة من سور القرآن ألا وهي سورة الكهف قال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ ءَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [الكهف:83-98].
هذه هي قصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج وأقول لك أن قصة ذي القرنين هي الأخرى قد نُسِجَ حولها من الأساطير والخرافات والخيالات والأوهام ما يندى له جبين التحقيق خجلاً وحياءً.
لا يجوز لأحد يحترم علمه وعقله أن يتجاوز النص القرآني في قصة ذي القرنين فما ذكره الله في القرآن عن ذي القرنين فيه الغنى وفيه الكفاية، ولسنا في حاجة لأن نلهث وراء الإسرائيليات لننسج حول شخصية ذى القرنين الأساطير والخرافات والأوهام .
والآن أدعوك لنتجول سوياً لنتعرف على قصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج بالنص القرآني والتفسير اليسير.
ذو القرنين عبد صالح اختلف أهل التفسير في نبوته لكن لا يستطيع أحد أن يجزم بذلك.
والقصة تبدأ بسؤال المشركين للنبي المصطفى ويأتي الجواب من الله جل وعلا: "قل" يا محمد، وكلمة "قل" يسميها علماء التفسير وعلماء اللغة قل التلقينيه أي القصة ليست من عند رسول الله بل هي وحي من عند الله جل وعلا: قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا : كلمة " منه " التبعيضية: أي سأتلوا عليكم بعض الشيء من قصة ذي القرنين ولو علم الله في الزيادة عن النص القرآني خيراً لذكرها لنا فلنقف عند ما ورد في القرآن وما ثبت في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض : تدبر … فمن الذي مَكَّنَ لذي القرنين؟
فالتمكين إن نقبت عنه في القرآن سترى أنه في كل مرة وردت لفظة التمكين تنسب إلى الله رب العالمين، وهذه القاعدة البلاغية تؤصل في القلوب قاعدة إيمانية .
فالذي يُمَكِّن للدول والأمم والشعوب هو الله، فيجب علينا جميعا أن نعلق قلوبنا بالملك الذي يفعل كل شيء، مع الأخذ بالأسباب فهذا من حقيقة التوكل على الله .
لا تسود أمة إلا بإذن الله ولا تزول أمة إلا بإذن الله .
قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26].
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا . أخذ بهذه الأسباب والوسائل للتمكين والنصر والفتح والظهور .
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ [الحج:41].
فهناك من الأمم من يمكن الله لها فتأخذ بأسباب التمكين فيزيدها الله ثباتا وتمكينا فإن فرطت أذهب الله عنها التمكين. وهناك من الناس من إذا مكن الله له أخذ بوسائل التمكين فزاده الله رفعة ونصرا فإن فرط في هذه الأسباب والوسائل أمر الله عز وجل بزاوله وهلاكه .
وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا . أعطاه من الأسباب ما يستطيع أن يفتح وأن ينتصر وأن يجوب البلاد شرقا وغربا .
يبدأ ذو القرنين الرحلة الجهادية الأولى في سبيل الله نحو المغرب .
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا .
ومن المعلوم أنه ليس للشمس مشرقاً واحداً ولا مغرباً واحداً بل لها عدة مشارق ومغارب .
قال الله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ [المعارج:40].
فالشمس لها مشارق ومغارب بحسب فصول السنة وأيامها وشهورها، لها مشارق ومغارب بحسب المكان، لها مشارق ومغارب بحسب رؤية الرائي إلى قرص الشمس أثناء الشروق أو الغروب .
قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا .
فبين ذو القرنين منهجه العادل ودستوره الحكيم، فقال كما ذكر في كتاب ربنا: قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا .
وأما من ظلم نفسه بالشرك وعدم اتباعي فسوف أعذبه وله عند الله العذاب العظيم، أما من اتبعني وآمن بما جئت به ووحد الله واستقام على منهج الله فله الحسنى وهى الجنة، أما من ناحيتي فسنقول له يسرا .
ثم انطلق نحو المشرق في رحلة ثانية :
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا . لا يحمى هؤلاء الناس والقوم شيء على الإطلاق، لا يحول بينهم وبين الشمس شيء.
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا : أي علم الله عز وجل كل ما يدور في قلبه وفي نفسه.
وتبدأ الرحلة الثالثة التي هي محل الشاهد في موضوعنا:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ والسدين: الجبلين العظيمين .
وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا .
لا يعرفون لغة ذي القرنين أو لا يستطيعون أن ينفتحوا على غيرهم من الأمم، فهم قوم منعزلون على أنفسهم، تعرضوا إلى أشد الهجمات وأعنف الضربات على يدي يأجوج ومأجوج، فلما رأوا ذا القرنين الملك الفاتح العادل توسلوا إليه وانطلقوا وقوفا بين يديه وقالوا: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا .
هؤلاء القوم يقولون لذي القرنين هل نبذل لك من أموالنا ما تشاء وما تريد على أن تبنى لنا سدا منيعا يحمينا من يأجوج ومأجوج .
فرد عليهم بزهد وورع وقال: قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ .
لقد أعطاني الله عز وجل من وسائل التمكين ما أغنانى به عن مالكم ولكنه لمح فيهم الكسل، فأراد أن يشركهم في هذا المشروع العظيم وفي هذا العمل الضخم، فقال لهم ولكن!
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا . أي قال بلغة العصر: التخطيط الهندسي والمعماري والإنفاق المادي لبناء هذا السد ولإقامة هذا المشروع، سنتكفل نحن بذلك، ولكننا في حاجة إلى العمال، في حاجة إلى عمالة يحملون ويبنون ويقيمون هذا العمل: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا .
وبدأ ذو القرنين المهندس البارع الذي سبق علماء الهندسة المعاصرين بعدة قرون .
أمر بالبدء في المرحلة الأولى من مراحل هذا المشروع .
ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ : أي اجمعوا لي قطع الحديد الضخمة وأمرهم بوضع هذه القطع في مكان ضيق بين هذين السدين، فلما وضعت قطع الحديد حتى ساوت قمة الجبلين قال: انفخوا النار المشتعلة التي تصهر هذا الحديد، ولك أن تتصور حجم هذه النيران التي اشتعلت لتصهر أطناناً من الحديد لا يعلم وزنها إلا العزيز الحميد، اشتعلت النيران تحت هذا الحديد بين السدين في مكان ضيق، يريد أن يسد على يأجوج ومأجوج الطريق الذي ينفذون منه إلى هذه الأمم المسكينة المغلوبة على أمرها .
فأشعل النيران حتى انصهر الحديد وذاب بين السدين أي بين الجبلين، فأمر ذو القرنين أن يدخلوا في المرحلة الثانية من مراحل البناء، ألا وهي أن يذيبوا النحاس حتى ينصهر .
فلما انصهر النحاس أمرهم بصب النحاس على الحديد فتخلل النحاس الحديد فأصبح النحاس والحديد معدناً واحداً ليزداد صلابة وقوة فلا تستطع يدى يأجوج ومأجوج أن تتسلقه أو أن تنقبه .
وبذلك يكون ذو القرنين قد سبق العلم المعاصر في تقوية الحديد بالنحاس فلما ساوى بين الصَّدَفين بهذا الحديد وبهذا النحاس ليبين لنا سمات القيادة الفذة الناجحة التي تستطيع أن تجمع بين الخيوط والخطوط .
التي تستطيع أن تجمع بين المواهب والطاقات والقدرات والإمكانيات لتستغل الموارد والطاقات أعظم استغلال.
ذو القرنين يبين لنا سمات القيادة الناجحة، وما أحوج الأمة إلى هذه القيادة الفذة، فلما نظر إلى هذا السد العظيم لم تسكره نشوة القوة والعلم، لم يقل فن الإدارة!!
لم يقل: إنما أوتيته على علم عندي!! وإنما نسب الفضل لصاحب الفضل جل وعلا فقال: قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا
درس عظيم .. هذا رحمة من ربي ثم بين للحضور معتقده الصافي في الإيمان بالبعث والإيمان بيوم القيامة فقال لهم إن الذي أمر ببناء هذا السد هو الله، وأن الذي أمر بحجز يأجوج ومأجوج هو الله، وأن الذي سيأذن لهم بالخروج هو الله، وحتما سيأتي يوم على هذا السد المنيع ليجعله الله عز وجل دكاء أي ليسويه بالأرض وذلك لا يكون إلا بين يدي الساعة كما سيسوى جبال الأرض كلها بالأرض .
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا .
هكذا يبين ذو القرنين العقيدة الصافية في الإيمان بالبعث، في الإيمان بيوم القيامة وعلامته الكبرى حين يأذن الحق تبارك وتعالى ليأجوج ومأجوج في الخروج حينئذ يستطيعون أن ينفذوا هذا السد ويخرجوا وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر هذا اللقاء:
رابعاً: خروجهم بين يدي الساعة:
في صحيح البخاري من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي دخل عليها يوما فزعا وهو يقول: ((لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وحلق بأصبعه السبابة والإبهام فقالت زينب بنت جحش: يا رسول الله أَنهلِكُ وفينا الصالحون فقال المصطفى:((نعم إذا كَثُرَ الخبث))(4).
يهلك الصالح والطالح ويبعث الله الصالحين والطالحين على نياتهم .
وتدبر معي هذا الحديث: الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم في المستدرك وصحح الحاكم الحديث على شرط الشيخين وأقر الحاكمَ الذهبيُ والألبانيُ في السلسلة الصحيحة من حديث أبي هريرة أن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى قال: ((إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قالوا: ارجعوا فستحفرونه غداً فيرجعون فيعيد الله السد أشد مما كان، حتى إذا أراد الله أن يبعثهم خرجوا يحفرون السد فقال الذي عليهم إذا ما رأوا شعاع الشمس: ارجعوا وستحفروه غدا إن شاء الله تعالى فيعودون فيرون السد كهيئته التي تركوه عليها فيحفرونه ويخرجون))(5)
وفي رواية مسلم في حديث النواس بن سمعان ((فيمرون على بحيرة طبرية فإذا مَرَّ أوائل يأجوج ومأجوج شربوا ماء البحيرة كله فإذا مر آخرهم قال: لقد كان في هذه البحيره ماء)).
فيخرجون فيخاف الناس ويتحصنون منهم في الحصون، يتركون لهم الشوارع والطرقات لا قدرة لأحد بقتالهم كما سأذكر في رواية النواس بن سمعان قال المصطفى : ((أوحى الله إلى عيسى: يا عيسى إني قد بعثت قوما (أي يأجوج ومأجوج) لا يدان لأحد بقتالهم (أي لا طاقة لأحد بقتالهم) فحرز عبادي إلى الطور أي اجمع عبادي من المؤمنين إلى جبل الطور في سيناء)). ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيقول يأجوج ومأجوج: لقد قتلنا أهل الأرض تعالوا لنقتل أهل السماء.
انظر إلى الفجور!! وبهذه العبارة فقط تستطيع أن تتصور حجم الفساد في الأرض إذ تجرأ هؤلاء وفكروا في أن يقاتلوا أهل السماء وبالفعل يوجهون النشاب (أي السهام) إلى السماء فيريد الملك أن يبتليهم فيرد الله عليهم نشابهم ملطخة دماً فتنة من الله تعالى فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء. في الوقت الذي تبتلى فيه الأرض بهذه الفتنة تكون فتنة أخرى عصفت بأهل الأرض عصفاً ألا وهى فتنة الدجال فينزل عيسى عليه السلام وهذا ما سنتعرف عليه بعد جلسة الاستراحة.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.