منذ أن تشكلت الحكومة الشرعية بعد انتخابات 23أكتوبر، دأبت النقابات الأساسية لأعوان وموظفي كل الوزارات – وآخرها وزارة الخارجية – على إصدار لوائح نقابية تتضمّن سلسلة طويلة من المطالب النقابية، وهذا مشروع. ولكن ما يسترعي الانتباه هو أنّ ما يجمع هذه اللّوائح – إضافة إلى مطلب التّمتع بالمنحة الخصوصية – هو أن تكون التعيينات صلب الوزارة على أساس مبدإ الكفاءة والمهنية والأقدمية وأن لا تكون التّعيينات على أساس الولاء للأحزاب أو للموالين- وهذه كلمة حقّ أريد بها باطل. كيف ذلك؟ - كلمة حق، لأنّ التعيينات فعلا يجب أن تكون على أساس الكفاءة والخبرة... لأنّ ذلك من أهمّ مطالب الثورة - والباطل هو أنّ، هذا المبدأ يراد منه تأبيد الفساد في الإدارات والوزارات. فجميعنا يعلم أنّه في عهد الديكتاتورية الأولى والثانية، كانت التّعيينات لا تتمّ إلاّ وفق الانتماء إلى التّجمع اللّعين وريث الحزب الاشتراكي الدستوري. وكلّ من كان يريد الفوز بوظيفة أو يتمتع بترقية، عليه أن يكون أكثر من غيره تملّقا وتزلفا – وحتّى مرتشيا أو جاسوسا على زملائه...- فكان أن امتلأت الإدارات والوزارات بأفسد عباد الله – ولكن دون أن يمنع هذا من وجود كفاءات وطاقات نزيهة وشريفة ولكنها كانت تدفع ثمن استقامتها حرمانا من كل امتيازات مهنية – ولكن ما حصل بعد الثورة، وخوفا من المحاسبة وضمانا للمكاسب المحصّلة بطرق غير مشروعة في عهد المخلوع وفي عهدي محمد الغنوشي و الباجي قائد السبسي، الذيْن لعبا دورا خطيرا في تمكين الفاسدين من إعادة تنظيم صفوفهم استعدادا لمرحلة الحساب – قفز المفسدون إلى النقابات الأساسية وتمترسوا اليوم خلفها ، لينتقلوا بطريقة حرباوية عجيبة وتحت أنظار الاتحاد العام التونسي للشغل وسمعه من ضفة الولاء المطلق للمخلوع، وتحطيم كل تحرك نقابي في الوزارات، إلى ضفة المدافع الشرس عن ” مبدإ الكفاءة والمهنية والأقدمية” الذي يعني عمليا وآليا حصر التسميات والترقيات فيهم دون غيرهم، وهذا يعني تأبيد الفساد، والتفافا على الثورة وخيانة للشعب وتضحياته. إنّ الحكومة مطالبة بأن لا تلتفت للمفسدين من الموظفين وأن تعمل على تجريدهم من الامتيازات الظالمة التي جنوها على ظهور الشرفاء من الموظفين والأعوان، ومطالبة بأن لا تستجيب لتهديداتهم، فكل من ثبت أنه انتدب بالوساطات أو ارتقى بالمحسوبية التجمعية اللعينة، يجب حرمانه من كل حق في الارتقاء بعد الثورة لأنّ ما بني على باطل فهو باطل. وعلى الاتحاد العام التونسي للشغل، أن يكون سندا للحكومة الشرعية في ذلك، وأن يمنع النقابات الأساسية من أن تكون اليوم مرتعا للتجمعيين الفاسدين الذين يتمترسون خلف النقابات ليس خدمة للعمل النقابي المشروع ولكن تأبيدا للفساد الإداري. وللاتحاد في مديري المؤسسات التربوية الذين تم تغييرهم في الصائفة الماضية خير عبرة. وعلى الاتحاد اليوم ألاّ يلعب بجمرة التجمعيين لأنّها ستحرقه مستقبلا، فهم عبارة عن قنبلة موقوتة ستفرقع الاتحاد في أول مناسبة سيتمكن فيها التجمعيون – تحت عباءة البورقيبية السبسية من أن يعودوا إلى السلطة.