الأسطى أبو سليم كتب في هذا الموقع فرحا مهلّلا بالنصر المبين الذي حققه رجال الأمن بعد نجاحهم في إلقاء القبض على عصابات سلب السيارات, وأنا إذ أشاطره مشاعر هذه الفرحة كما العشرات والآلاف ممن تضرروا أو لم يتضرروا من بَرَكَات عفوا من بْرَاكاجات هذه العصابة من سكّان شيكاغو تونس ( صفاقس المنسيّة على الدوام ) فإنّي أعترف بأن فرحتي تغلب عليها مشاعر الحزن والمرارة أي باللغة الفرنسيةLe gout d'inachevé لأني لم ولن أنسى صرخة بويا الشاذلي وأمّي حبيبة الملّولي الشيخين اللّذين تعرضا منذ أكثر من أسبوعين بطريق الأفران إلى عملية سطو وعنف شديد حوالي الواحدة صباحا بمنزلهما خلّفت لهما لا فقط خسارة “تحويشة العمر” بل أوراما وكدمات وجراح ستزول بعون الله ولكنها لن تزول من مخيّلتهما ما بقي لهما من الذاكرة والعمر أمّي حبيبة العجوز الكفيفة والمُقعدة زادها الأوباش على ما بها من بلاء الزمن , جرحا غائرا برجلها وكدمات في رأسها وصدمة نفسيّة أخرستها عن الكلام وعن التفاعل مع محيطها حتّى مع “عشير حياتها” وأب أبنائها بويا الشاذلي ذاك الرجل العارف ببيداغواجيا التعامل مع الأجيال وهو المربّي الفاضل الذي سخّر حياته لإنارة سبيل العلوم والمعارف إلى عقول الناشئة والذي بات يستيقظ صباحا مساء على انعكاس المرآة علّها تبشّره بزوال ما خلّفه له المجرمون من كدمات وزُرقة في وجهه وعينيْه ما تعرّض له بويا الشاذلي وأمّي حبيبة يتجاوز في رمزيته عملية إجرامية قام بها مجموعة صعاليك تجرّدوا من كل صفات البشر لأنهم باعتدائهم على من شَابَ مشيبهم اعتدوا على كل آبائنا وأجدادنا وأمّهاتنا , اعتدوا على ذاكرتنا الفردية والجمعيّة , اعتدوا على تاريخ كامل اختزلته الأيام في شعر أبيض وتجاعيد تغطّي كامل الجسم , وأنفاس متقطّعة , وتنهيدة من الأعماق على الزمن الغابر يوم كان الصغير لا يجرؤ حتى على التحديق في أعين الكبير فكيف له أن يعنّفه ؟ اعتدوا أيضا على رسول العقول ذلك الذي قال في حقّه المرحوم شوقي : قم للمعلّم وأوفه التبجيلا *** كاد المعلّم أن يكون رسولا لكل ذلك أقول إن جريمة هؤلاء اللصوص ترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية لا تقلّ في فظاعتها ووحشيتها عن جرائم القتل والتطهير العرقي المنظّم لأن ضحاياهم من عظماء التاريخ وحفظته وصنّاعه ممن رسموا بنضالهم وصبرهم مسيرة الأجيال الجديدة أبناء وأحفادا لكل ذلك أقول لمن يهمّه الأمر , لن يغمض لنا جفن ولن يحلو لنا عيش ولن نصدّق بأننا نحيا بالأمن والأمان طالما المعتدون على بويا الشاذلي وأمّي حبيبة أحرارا طلقاء وطالما بقي “الصفاقسية ” بصغيرهم وكبيرهم عرضة لأعمال وعربدة حثالة المجتمع يستبيحون أملاكهم وأعراضهم وسلامتهم الجسديّة ويعتدون على آبائهم وأمّهاتهم وأجدادهم , أولئك الذين علّمونا تلك الحكمة القائلة ” اللّي ما يسمعش كلام كبيرو يحير تدبيرو” وقبل أن أختم أهمس في آذان من له آذان في وزارة التربية أو المندوبية الجهوية بصفاقس ماذا لو تذكّرتم المرّبي الفاضل المتقاعد بويا الشاذلي بزيارة أو حتى ببرقية تضامن , وماذا يا جمعية المتقاعدين بصفاقس لو قمتم بلفتة إلى زميل لكم نكبه المجرمون في ذاكرته وتاريخه قبل “وسخ دار الدنيا” ؟ بالفرنسية يُعبّر عن الموقف : A bon entendeur تنهيدة من الأعماق بقلم : رشيد الكرّاي