تونس (وات)- في بادرة هي الأولى في تاريخها فتحت وزارة الداخلية اليوم الجمعة "زنزانات التعذيب" التابعة لها خلال العهد السابق أمام وسائل الإعلام وتلاميذ المدارس وأوضح رئيس مكتب الإعلام والاتصال بالوزارة هشام المؤدب ان هذه الحركة الرمزية التي تؤكد إرادة القطع مع "الماضي الأسود " للجهاز الأمني التونسي تندرج في سياق برنامج إصلاحي شرعت فيه الوزارة بعد ثورة 14 جانفي. وتمكن الزائرون من وسائل إعلام وطنية ودولية وشباب مدرسي من دخول الزنزانات أو غرف الإيقاف الثلاثة عشر التي سجن فيها مئات المناضلين السياسيين والحقوقيين في إطار التحقيقات معهم في قضايا سياسية وقضايا"أمن الدولة". وتولى فريق التلاميذ الذي ضم إحدى عشرة تلميذا وتلميذة مسلحين بأدواتهم الملونة، رسم لوحات على جدران الزنزانات وأبوابها ترمز للحرية وحقوق الإنسان والثورة التونسية، هادفين من خلال هذه الحركة إلى "تطهير المكان من دنس الماضي والامة" كما أوضحت مؤطرة زيارة هؤلاء التلاميذ ورئيسة حلقة المسرح والفنون بإحدى مدارس باب الخضراء هندة بلحاج علي. واستمع التلاميذ الذين قدموا من مدارس ابتدائية وإعدادية إلى شرح من الوزير المعتمد المكلف بالإصلاح الأزهر العكرمي حول هذا المكان وتاريخه والممارسات التي كانت تسوده خلال مراحل سابقة من تاريخ تونس، وجاءت ثورة الشعب في 14 جانفي لتقطع معها وتعيد الاعتبار الى ضحاياها. ورسم العكرمي بدوره على جدار إحدى غرف الإيقاف باللون الأصفر شمسا لحظة الشروق، تعبيرا عن الأمل في المستقبل وفي ثورة الشباب التي ولدت من تضحيات مئات المناضلين وآلاف التونسيين الذين قادهم حلم الحرية والعدالة والديمقراطية إلى فضاءات القمع البوليسي . كما بادر أحد أعوان الأمن وقد علت وجهه علامات التأثر والأسى إلى رسم أشكال وألوان ترمز إلى الحرية، في حين تولى عدد من المسؤولين الشرح للزائرين كيف كان جهاز امن الدولة السابق يحيط هذا المكان الرهيب بالتكتم التام على ما يشهده من إيقافات وتحقيقات واستخدام شتى الأساليب المهينة للكرامة البشرية. وقال المؤدب ان كثير من الموقوفين على ذمة التحقيق لدى جهاز أمن الدولة السابق والأمن السياسي "كانوا يدخلون الى هذا المكان تحت عنوان الإرهاب وتهديد سلامة الوطن في حين انهم كانوا مجرد مواطنين مدافعين عن حقوق". وكثيرا ما أدانت المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية النظام السابق ووزارة الداخلية بسبب أعمال التعذيب والعنف المفرط وانتهاك كرامة نشطاء سياسيين معارضين ومدافعين عن حقوق الإنسان. وذكر المؤدب ان وزارة الداخلية اتخذت بعد الثورة عديد الخطوات لمنع استخدام القوة المفرطة وتحسين ظروف الإيقاف موضحا بالقول //نحن بصدد إرساء قواعد مساءلة دورية لعناصر الأمن حول الأخطاء والتجاوزات بناءا على التقارير التي ترد إلينا كما اننا نطور الجانب التكويني من اجل احترام حقوق الإنسان وحرمة المواطن". وأكد ان وزارة الداخلية التي بادرت إلى فتح هذه الزنزانات أمام الرأي العام والشباب إنما أرادت بذلك "طي صفحة سوداء" من تاريخها وهي بالتالي لا تنكر هذا التاريخ كما انها"مستعدة لتطبيق مبدأ المحاسبة" على مرتكبي الانتهاكات. ومباشرة بعد ثورة 14 جانفي تمت إقالة عشرات الضباط والأعوان الأمنيين المتورطين في أعمال عنف وفساد في حين تستمر التحقيقات مع عدد منهم . وفي موفى شهر سبتمبر الماضي كشف الوزير المكلف بالإصلاح الأمني للرأي العام والأحزاب السياسية والمجتمع المدني عن المحاور الرئيسية لخطة أقرتها الحكومة الانتقالية لإصلاح الأجهزة الأمنية ودعا جميع الأطراف إلى تبادل الآراء بشأنها "من اجل بناء امن لمجتمع ديمقراطي".