الدوحة (مبعوثة وات نجيبة بن ضو)- أجمع المشاركون في حوارات الدوحة على أن أوضاع المرأة ستكون أكثر إشراقا بعد الثورات العربية. فقد صوت جمهور هذه الحوارات التي انتظمت مؤخرا بالعاصمة القطرية في شكل مناظرات بين جملة من الخبراء والمتخصصين الناشطين في مجال المرأة ضد المقولة محل النقاش والتي مفادها " أن وضع المرأة سيسوء بعد الثورات العربية" وذلك بنسبة 74 بالمائة من الأصوات الرافضة لهذه المقولة في حين أيدتها نسبة 26 بالمائة من المصوتين. وتمحورت النقاشات في هذه المناظرات التي احتضنتها قاعة المحاضرات الكبرى بجامعة جورج تاون التابعة لمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع حول ما إذا كانت المرأة العربية ستواجه قيودا جديدة على حريتها سيما في ظل صعود الأحزاب ذات المرجعيات الدينية في تونس ومصر على سبيل المثال أو ما يسمى بالإسلام السياسي وكذلك مع تنامي بعض الحوادث بما يثير مخاوف من تهديدات محتملة. وأشارت بعض المداخلات إلى أن حقوق النساء خاصة في ما يتعلق بحرية التعبير وأخذ القرار هي اليوم مهددة وأضحى وجودها على المحك . كما أن كل ما اكتسبته المرأة إلى حد الآن من حقوق وحريات بات محل إعادة نظر وهو ما يدعوها إلى النضال من جديد. وقد أيدت المقولة الأساسية لهذه الحوارات كل من الباحثة في مجال المرأة والجامعية التونسية خديجة العرفاوي ونائب رئيس مؤسسة اشوكا ورئيس مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة المصرية إيمان بيبرس. حيث أكدتا أن المرأة العربية قد تعرضت مباشرة بعد اندلاع الثورات العربية للمزيد من الضغوطات ومحاولات التقليل من شأنها والتشكيك في قدراتها بهدف إسكاتها وإجبارها على التنازل عن حقوقها. وذكرت الأستاذة العرفاوي أن حركة النهضة الإسلامية التي فازت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 لم تكتف بالتعهد بعدم المساس بمجلة الأحوال الشخصية بل أكدت أيضا الحرص على مزيد تدعيم حقوق المرأة متسائلة "عما إذا كانت الحركة قد احترمت هذه الوعود" . ولم تخف الباحثة التونسية مخاوفها من المعطيات الجديدة حيث أن 42 من جملة 49 امرأة اللائي تم انتخاباهن صلب المجلس الوطني التأسيسي ينتمين للتيار الإسلامي الأمر الذي يجعل حسب تقديرها المجال ضيقا أمام مناضلات حقوق المرأة صلب هذا المجلس. من جهته لاحظ رئيس الحوارات تيم سيباستيان أن الأرقام التي ذكرتها الأستاذة العرفاوي تفوق بنسبة 23 بالمائة نسبة تمثيلية المرأة في الكنغرس الأمريكي مبينا أن قانون التناصف الذي تم إقراره في تونس يجب أن يكون مصدر فخر واعتزاز للنساء التونسيات. من ناحيتها ذكرت السيدة بيبرس أن النساء المصريات خسرن بعد فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات 50 مقعدا صلب مجلس الشعب المصري مشددة في المقابل على أن مظاهر التمييز والهرسلة التي تعاني منها المرأة المصرية والتي هي ذات طابع ثقافي " كانت دوما موجودة في المجتمع المصري ولا علاقة لها بالسياسة". وساقت الأستاذة العرفاوي جملة من المؤشرات التي كانت ناقوس الخطر الدال على عودة التشدد الديني مشيرة في هذا الصدد بالخصوص إلى النقاشات الجارية حول ارتداء الحجاب في التلفزيون وحالات الزواج العرفي الذي أصبح غير قانوني منذ سنة 1957 والاضطرابات الجارية في عدد من الجامعات بسبب ارتداء النقاب عكس هذه الأطروحات جاءت مداخلات كل من المناضلة المصرية والأستاذة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة رباب المهدي والجامعية المتخصصة في العلوم السياسية الليبية آمال جراري. وذكرت المتدخلتان بالدور الهام الذي لعبته النساء خلال الثورات العربية مؤكدتين أنهن اليوم عازمات وأكثر من ذي قبل على المطالبة بحقوقهن التي حرمن منها في الماضي كما يأملن في التمتع بالمزيد من الحرية بفضل الانتقال الديمقراطي الذي تعرفه بلدانهن. وشددت المهدي على أن النساء قد لعبن دورا أساسيا في هذه الثورات العربية التي منحت السلطة للإسلاميين مستدركة بالقول " لا يجب أن نخطىء فهؤلاء النساء هن اليوم قادرات وأكثر من أي وقت مضى على حماية حقوقهم ومصالحهن". من ناحيتها أقرت آمال جراري بأن تحسن أوضاع المرأة العربية وحقوقها قد يستغرق بعض الوقت موضحة أنه "عمل يتطلب طول النفس" كما أن الثورة تبقى فرصة استثنائية للنساء والرجال على حد السواء. وعاب الطلبة المشاركون في الحوارات تركيز النقاش وإسهاب المتدخلين في الحديث عن ارتداء الحجاب والنقاب الذي يبقى حسب تقديرهم مسألة شخصية وكذلك إغفال المحاضرين لبعض المشاغل الحقيقية للمرأة العربية وحقها في حرية التعبير وعملها المشترك مع الرجل على درب تحقيق الانتقال الديمقراطي. وجدير بالتذكير أن حوارات الدوحة هي منبر حر يكرس حرية التعبير ويفسح المجال أمام الشباب العربي لمناقشة جملة من القضايا والمواضيع المصيرية المتصلة بحياتهم ودأب المنظمون منذ جانفي 2005 على بث هذه المناظرات التي يتابعها حوالي 400 مليون مشاهد في 200 بلد تقريبا عبر شاشة "بي بي سي وورلد نيوز".