نابل (وات) مثل الوضع المتردي الذي آلت إليه غابة وادي القصب ودار شيشو بعد الحريق الذي التهم اكثر من 400 هكتار منها في جويلية الفارط حسب مصادر من ادارة الغابات وما تعرفه من اعتداءات متواصلة تهدد بكارثة بيئية حقيقية، محور اعمال الملتقى الذي نظمته "جمعية المواطنة والديمقراطية"، الاربعاء الماضي بمقر بلدية حمام الاغزاز من اجل تسليط الضوء على هذا الملف العقاري الشائك الذي يتداخل فيه الملك الخاص بالملك العمومي وتتداخل فيه مصلحة المجموعة بالمصالح الفردية. فالغابة تعاني منذ الايام الاولى لما بعد ثورة 14 جانفي 2011 من "اغتصابات" يومية متكررة ومتواصلة نتيجة اقدام افراد على انتهاك حرمة المنطقة التي تعرف "برئة الوطن القبلي" إما بقطع الاشجار او "بالتحوز بمساحات او باقامة اسوار وبناءات وحفر ابار". وان ما آلت إليه المنطقة ولاسيما بعد ان التهمت ألسنة اللهب اكثر من" 500 هك" حسب تقارير جمعية المواطنة والديمقراطية في شهر جويلية من السنة الفارطة جراء الحريق الذي اندلع "بأياد خفية" لم يتم إلى اليوم الكشف عنها وإيقافها، يطرح عدة تساؤلات حول ردود فعل الادارة ولاسيما وزارة الفلاحة وادارة الغابات المستغل للغابة ووزارة الثقافة خاصة وان الاعتداءات تشمل كذلك المنطقة الاثرية بكركوان بالاضافة الى وزارات الداخلية والتجهيز والبيئة. وقد طالب رئيس جمعية المواطنة والديمقراطية بحمام الاغزاز عبد الحميد بن سليمان منذ 11 سبتمبر في عريضة يتواصل جمع الامضاءات لفائدتها "بالاسراع في التحقيق في ملابسات حريق غابة دار شيشو ووادي القصب وايقاف المتورطين وبالابقاء على الصبغة الغابية للمساحات التي حرقت فضلا عن الاسراع بتسوية الوضعية العقارية بصورة نهائية". ف"اغتصاب" غابة دار شيشو يتجاوز مسالة استهتار بعض الافراد بدعوى الاحقية في الملك الى مسالة أعمق هي تضارب المصالح بين العمومي والخاص، حسب ما اكده مشاركون في الملتقى. فالارض هي ملك للخواص المتكونين من ورثة يفوق عددهم 1200 شخص ولمالكين جدد قبلوا شراء مقاسم على الشياع وبين الادارة (الدولة) التي ما تزال بطيئة في رد فعلها باعتبار قلة ذات اليد اذ تكتفي بتحرير المحاضر للمخالفين وتمسكها بان ارجاع الارض "يشترط وجود مفاوض وحيد ممثل عن الورثة والمحافظة على الصبغة الغابية للمستغلة". " غابة دار شيشو " تتأرجح اليوم بين مناد بالحق في استرجاع الارض، ومتسمك بالمستغلة باعتبار صبغتها الغابية، وبين مدافع عن البيئة، واخر مصر على الحق في الملك والبيع وبناء الاقامات الفخمة المطلة على البحر مباشرة. ولئن حاولت "جمعية المواطنة والديمقراطية" من خلال تنظيم ملتقى يجمع مختلف المتدخلين وممثل عن المجلس التاسيسي للخروج من المأزق الذي آلت إليه الغابة، فان ما اكتنف الاجتماع من تشنج و"اتهامات بالفساد لممثلي ادارة الغابات" أدت بهم إلى الانسحاب من الاجتماع، وتمسك كل متدخل بأحقيته في الارض وفي استرجاع ممتلكاته الموروثة، قد حال دون الخروج بحلول او مقترحات عملية تذكر. ما يعرف بغابة دار شيشو هو عينة من الملفات العقارية الاكثر تشعبا في جهة الوطن القبلي خاصة وان تاريخ التدخل يعود الى سنة 1924 بموجب امر صادر عن الباي بتحديد منطقة تصل الى 9316 هك لتثبيت الكثبان الرملية الزاحفة على معتمديات حمام الاغزاز وقليبية والهوارية والى سنة 1961 تاريخ ابرام عقد للتشجير الغابي بين الدولة واحد الخواص "الذي هو اليوم محل تشكيك في تمثيليته للمالكين" مدته 30 سنة على مساحة تصل الى 198 هك. المنطقة هي محل نزاع منذ سنة 1991 تاريخ انتهاء عقد التسوغ بين الورثة الراغبين في استرجاع اراضيهم وبين الادارة الممثلة في وزارة الفلاحة والتي تقول ان التفاوض بشأن ارجاع المستغلة يتطلب انجاز موازنة مالية للمصاريف والمداخيل و التمسك بما "ينص عليه العقد المبرم في 1961 على ان ارجاع الارض يتطلب تفويض من ينوب الورثة او بعد اقامة مقاسمة عدلية فيما بينهم وشريطة المحافظة على الصبغة الغابية للمنطقة". ويطالب الورثة من جهتهم باسترجاع مملتلكاتهم مع منحهم الحق في التصرف فيها. وفي انتظار حلول ممكنة، إن وجدت، يتواصل بالمنطقة اليوم الانفلات الكلي في قطع المقاسم المحروقة ولاسيما منها المطلة على البحر مباشرة فضلا عن تواصل البناء الفوضوي في الملك العمومي البحري وبالمنطقة الاثرية وعلى المقاطع الغابية وحفر الابار في المناطق المنهوبة. ويؤكد رئيس دائرة الغابات بنابل عزيز ساسي في تصريح لوكالة تونس افريقيا للانباء "وات" بعد انسحابه من الاجتماع "ان وضع الغابة يهدد بكارثة طبيعية اذا ما لم يتم ايقاف زحف المخالفين على الغابة" مبرزا أن "الوضع يحتاج الى قرار جماعي جريء تتخذه كل الوزارات المعنية". ويضيف " ما نزال إلى اليوم وبعد عدة اشهر نطالب بدعم اعوان الغابات الذي اصبحوا مهددين في ارواحهم رغم انهم يقومون بواجباتهم على احسن وجه". واشار الى ان المندوبية "قد حررت بعد 95 محضر جنحة تم احالتها الى السلط العدلية واعلام السلط المعنية الجهوية والوطنية بما تعانيه الغابة" مطلقا صيحة فزع "ان تيار الانتهاكات التي تمارس على الغابة اليوم هو اخطر من الحريق الذي التهم 400 هك". واعلن من جهة اخرى ان لجنة متعددة الاطراف ممثلة لمختلف الوزارات المعنية ستتحول قريبا لمعاينة أوضاع الغابة لترفع تقريرا بشأنها. كما سيتم قريبا تنظيم ندوة محلية بمشاركة المعنيين للخروج بخطة عمل يمكن ان ترضي كل الاطراف.