قمرت (وات)- افتتحت صباح الخميس بقمرت الندوة الثلاثية لإطلاق مشروع النهوض بالحوار الاجتماعي التي تنظمها وزارة الشؤون الاجتماعية على مدى يومين، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية وذلك تحت عنوان "تونس: الحوار الاجتماعي لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة". وتهدف هذه الندوة التي تجمع أطراف الإنتاج الثلاثة من ممثلي الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف، إلى تشخيص الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس ورسم محاور عقد اجتماعي للفترة القادمة (2012-2020). ويترجم هذا العقد التزام الأطراف الاجتماعية الثلاثة بالعمل سويا من أجل تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية التي من شأنها أن تضمن السلم والاستقرار الاجتماعيين والازدهار الاقتصادي. وأجمع المتدخلون خلال الجلسة الافتتاحية للندوة على أهمية تشريك مختلف الأطراف الاجتماعية في الحوار من أجل تشخيص الواقع الاقتصادي والاجتماعي والانطلاق على أساسه في بلورة حلول وفاقية تتيح استتباب السلم الاجتماعي وتضمن كرامة الفرد وتوفر مقومات العيش الكريم لكل التونسيين. واعتبر رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي، في كلمة ألقاها في افتتاح الأشغال، أن إنجاح المرحلة الانتقالية يستوجب ضرورة وفاقا وطنيا حول أهم الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مؤكدا عزم الحكومة على التعاون مع القوى الوطنية لتجاوز الفترة الصعبة التي تمر بها البلاد في إطار سياسة حوار تجمع كل الأطراف. وأوضح أن "الحوار الوطني بين أطراف الإنتاج مكن من تحقيق انجازات هامة" على غرار الزيادة في الأجور في القطاعين العام والخاص وإبرام اتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل لإلغاء المناولة في القطاع العام. وأضاف أن الوضع الاجتماعي العام تميز خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الحالية، بفضل الحوار، بتدرج نسبي نحو الاستقرار تجسد من خلال انخفاض عدد الأيام الضائعة بسبب الإضرابات إلى 47 ألف يوم مقابل 95 ألف يوم خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية إلى جانب إلغاء 74 بالمائة من الإنذارات بالإضراب. ولاحظ الجبالي أن تحقيق النمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي مرتبط وثيق الارتباط بالحوار بين أطراف الإنتاج الثلاثة من أجل إرساء علاقات مهنية مبنية على الإيمان بتكامل الأدوار، وللتوصل إلى صياغة عقد اجتماعي يكون "آلية وفاقية ناجعة لإرساء سياسة اجتماعية رائدة تواكب ما تعيشه البلاد من تحولات عميقة بعد الثورة". ولاحظ وزير الشؤون الاجتماعية خليل الزاوية أن الأطراف الاجتماعية الثلاثة مدعوة اليوم وأمام حجم التحديات المطروحة إلى العمل على تنمية ثقافة التضامن الفعلي بين أطراف الإنتاج لاسيما من خلال إرساء آلية للإحاطة بفاقدي الشغل ومقاومة الفقر. ومن جانبه أبرز أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي القناعة الراسخة لدى النقابيين بان إرساء حوار اجتماعي سيكون حجر أساس لإنجاح الانتقال الديمقراطي في إطار التوافق والتشاور ومراعاة مصالح مختلف الأطراف. وقال العباسي إن إرساء عقد اجتماعي جديد بين أطراف الإنتاج الثلاثة مسؤولية تاريخية مشتركة تقتضي من الجميع، توفر الإرادة الصادقة وروح التعاون وحسن النية معتبرا ان تحقيق تقدم نحو إرساء هذا العقد سيكون لبنة أساسية في صياغة ميثاق مجتمعي جديد يستجيب لاستحقاقات المرحلة وتحدياتها ويضمن الانتقال نحو الديمقراطية والاستقرار والتوازن الاجتماعي. ومن جهتها بينت رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وداد بوشماوي أن أرضية صياغة العقد الاجتماعي يجب ان تقوم بالأساس على الحوار واحترام القانون ونجاعة الإدارة والمؤسسات موضحة ان هذا العقد سيكون بمثابة قاعدة يتم على أساسها إرساء مقومات الاستقرار والسلم الاجتماعيين الكفيلين بالمساهمة في استعادة الانتعاش الاقتصادي ودفع الاستثمار والتنمية الجهوية. وأبرزت ضرورة أن يوازن الحوار الاجتماعي بين شرعية المطالب الاجتماعية ومميزات الواقع الاقتصادي الراهن من أجل التوصل إلى إرساء منظومة متكاملة تضمن احترام حقوق وواجبات كافة الأطراف وتكريس الأحكام القانونية والتعاقدية وصيانة أسس العمل اللائق والمنتج. وأكد مدير مكتب العلاقات المهنية وعلاقات العمل بمنظمة العمل الدولية موسى عومرو في مداخلته، استعداد المنظمة الدولية لدعم تونس في هذا الإطار من خلال وضع خبراتها على ذمتها من أجل أن يفضي مسار الحوار الوطني الى صياغة عقد اجتماعي ثلاثي يخدم مصلحة مختلف الأطراف والمواطن التونسي بصفة عامة. ولاحظ أن الالتزام بإرساء عقد اجتماعي ثلاثي يعتبر مبادرة تاريخية رائدة في مجال الحوكمة، ومثالا يحتذى بالبلدان التي تمر بفترة انتقال اجتماعي وسياسي، مذكرا بان الحوار الاجتماعي يبقى"الأداة الضرورية للتفاوض من اجل تجاوز التحديات المطروحة وعاملا أساسيا للنهوض بالعمل اللائق وتعزيز الديمقراطية وتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمستدامة". ومن جهتها أعبرت وزيرة التشغيل البلجيكية مونيكا دي كونينك عن الأمل في أن ينجح هذا المشروع الذي قالت أنه "مشروع إنعاش للحوار الوطني في إصلاح المنظومة الاقتصادية وحسن توظيف رأس المال الاجتماعي للبلاد" ملاحظة أن نجاعة الحوار الاجتماعي ترتكز أساسا على مصداقية الشركاء الاجتماعيين.