تونس (وات) - دواعي وخلفيات استقالة وزير المالية حسين الديماسي نهاية الأسبوع المنقضي، ومسألة قيمة التعويضات التي ستصرف للمنتفعين بالعفو التشريعي العام، ملفان أثارا خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، لغطا كبيرا وجدلا واسعا، لدى ناشطي الحقلين السياسي والمدني، وبالخصوص على صعيد التشكيلات والتيارات السياسية الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي. وفي سياق هذا الحراك والجدل تتنزل مطالبة عدد من النواب لرئيس المجلس التأسيسي، مصطفى بن جعفر، بضرورة التعجيل بعقد جلسة عامة تخصص لتدارس أبعاد استقالة الديماسي ومساءلة الحكومة عما كشفه الوزير المستقيل من معطيات تهم خاصة توجهات الحكومة في التعاطي مع ملف التعويض للمنتفعين بالعفو التشريعي العام. واستجلاء لمختلف وجهات النظر من الموضوعين (الاستقالة وقيمة التعويضات)، رصدت "وات"، على هامش جلسة عامة للتأسيسي الاثنين 30 جويلية، مواقف عدد من ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية. وفي هذا الصدد أوضح سمير بالطيب (المسار الاجتماعي) أن استقالة الديماسي تعتبر "امتدادا"لما أسماه "الأزمة الدستورية" التي تعيشها البلاد منذ تسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية. وبخصوص قيمة التعويضات للمنتفعين بالعفو التشريعي العام التي كشف عنها حسين الديماسي بعد استقالته، دعا سمير الطيب إلى تنظيم استشارة وطنية بخصوص الأمر لتفعيل آليات العدالة الانتقالية وتفعيل قانون العفو التشريعي العام، مشيرا إلى أنه إذا ما أقدمت الحكومة لوحدها على هذا الأمر فإن "القرار سيكون حزبيا بالأساس"، على حد تعبيره. وبدوره اعتبر احمد الخصخوصي (حركة الديمقراطيين الاشتراكيين) استقالة الديماسي "إرباكا إضافيا للوضع العام للبلاد"، مشيرا إلى معارضته لفكرة، ما وصفه، ب "مجازاة" المعارضين للأنظمة السابقة في تونس. وقال بهذا الخصوص "من ناضل أو دافع عن مبادئه خلال العهدين السابقين لا يمكنه له اليوم أن ينتظر جزاء أوشكورا. فنضالهم كان طوعيا وإراديا وليس من المعقول أن يطالب من أجله اليوم، بمقابل مادي. فيكفي المرء الاعتراف المعنوي والأخلاقي بذلك". ومن ناحيته أوضح عصام الشابي (الحزب الجمهوري) أن استقالة الديماسي "جاءت لتلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي في البلاد خاصة بعد إقالة مصطفى كمال النابلي"، مضيفا أنها "تبعث برسائل مضمونها افتقاد إدارة الحكم في البلاد للحوكمة المطلوبة"، وفق تقديره. وتابع الشابي قوله "على السلطة التنفيذية والترويكا اليوم الوقوف وقفة تأمل ومراجعة أسلوبهما في طريقة حكمهما للبلاد ومصارحة الرأي العام بحقيقة الأوضاع العامة في تونس". كما لاحظ أن الأهم من استقالة وزير من الحكومة هو معرفة اسباب الاستقالة مشيرا إلى "الخطورة" التي ينطوي عليها اتهام الديماسي أعضاء من الحكومة بالقيام ب"حملة انتخابية سابقة لأوانها عبر إقرار بعض المنح لبعض الفئات الاجتماعية". وفي قراءته لاستقالة وزير المالية، بين على الحويجي (المستقيل من تيار العريضة الشعبية) ان الديماسي "سبق الحكومة في اعلان استقالته قبل أن تقيله هي"، معتبرا أنه "كان من الأصح والألزم تخصيص قيمة التعويضات التي تحدث عنها الوزير المستقيل لفائدة المتمتعين بالعفو لحل مشاكل التشغيل والتنمية في الجهات ومعالجة القضايا الاجتماعية". وقلل الطاهر هميلة (المؤتمر من أجل الجمهورية) من أهمية مطالبة بعض الأطراف بتعويض على ما وصفوه بسنوات الجمر قائلا بخصوصها"إنها مطالب تفتقد لأي نفس ثوري وأخلاقي"، باعتبار أن الشعب التونسي برمته تعرض، حسب تقديره، "للتضييق إبان العهود السابقة". وأضاف متسائلا "ألا يحق بهذا المنطق التعويض لكامل أبناء الشعب التونسي؟". ومن ناحيته شدد عبد الروؤف العيادي (حركة الوفاء للثورة) على أن الاستقالة "قد تحدث إرباكا لعمل الحكومة"، مبينا في موضوع اخر أنه يدعم مبدأ التعويض عن الضرر الذي لحق بالفئات التي تعرضت للظلم خلال الحقبات التي مرت بها البلاد سابقا. وفي الطرف الآخر لوجهات النظر بخصوص المسألتين يأتي الثلاثي الحاكم الذي قلل من قيمة الاستقالة ومن قيمة المعلومات التي كشف عنها الوزير المستقيل بعد خروجه من الوزارة. فقد أقر رئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، بحق المظلومين من العهد السابق في التعويض ورد الاعتبار إليهم، مشيرا إلى أن المجلس ينتظر من الحكومة المؤقتة أن تحيل إليه مشروع قانون يتعلق بالعدالة الانتقالية. وبين في ذات السياق أن حل هذه "القضية برمتها" لا يكون إلا في إطار العفو التشريعي العام موضحا أنه يمكن معالجة بعض الحالات المستعجلة من المنتفعين بالعفو العام عبر مؤسسات مختصة مثل وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التشغيل، بالنسبة للذين أطردوا من عملهم. وعن الانعكاس المالي لقيمة التعويضات قال بن جعفر "إنه من السابق لأوانه الحديث عن قيمة التعويضات قبل تحديد عدد المتمتعين بالعفو"، مشددا في نفس الإطار على ضرورة الحفاظ على موارد الدولة وموارد المجموعة الوطنية. وفي نفس الاتجاه اعتبر عمر الشتوي (حزب المؤتمر من اجل الجمهورية) استقالة حسين الديماسي "غير مبررة" مشيرا إلى أنه" كان عليه أن يتحلى بشيء من الصبر قبل الاقدام على هذه الخطوة" وفق تقديره. أما بخصوص ما أسماه ب"الاشاعة" عن حجم التعويضات للمنتفعين بالعفو العام، فقد لاحظ الشتوي أنه من السابق لأوانه الحديث عن رقم معين، مشيرا إلى أن الاتفاق حاصل حول ضرورة ان يكون التعويض في حدود إمكانيات الدولة وعلى أن يكون موزعا على عديد السنوات للحد من تأثيراته على الموارد المالية للدولة. وقال الصحبي عتيق (حركة النهضة)، من جهته، إن الديماسي "قدم مغالطة للشعب في تصريحاته وكان له ان يستقيل بطريقة أخرى"، ملاحظا أن طريقة الديماسي في الإستقالة والمبررات التي قدمها لإقدامه على هذه الخطوة "ليس فيها انصاف للحكومة ولبرنامجها الذي كان هو طرفا فيه". وأضاف أنه تم النقاش مع الديماسي بخصوص الأسعار والرفع في الأجور، "فكان مع الترفيع في الأسعار، ومعارضا للترفيع في الأجور والحفاظ على الدعم". وقال عتيق "لم نرد قول ذلك حرصا منا على المضي قدما في تجسيم أهداف الثورة". وبخصوص قيمة التعويضات أبرز عتيق أنه من حق ضحايا الاستبداد ان ينالوا حقوقهم في إطار العدالة الانتقالية مثلما يقع في أي ثورة، دون أن يحدد طريقة تمتيع هؤلاء الناس بهذه التعويضات التي قال إنها "تبقى إجراءا رتيبا يمكن النقاش حوله والوصول إلى وفاق بشأنه يراعي مصالح البلاد ومصالح المتضررين". وفي سياق متصل وحول استقالة وزير المالية، أشار حبيب اللوز (حركة النهضة) إلى أن الديماسي كان دائما، حسب تعبيره "متوترا" ورافضا "لبعض القرارات التي كانت أطراف الترويكا تحرص على اتخاذها لفائدة المستضعفين والعمال منها خفض الاسعار وعدم الرفع من سعر المحروقات وزيادة الاجور". وبشأن التعويضات التي ستصرفها الحكومة للمنتفعين بالعفو العام قال اللوز إن هذا الأمر يعتبر "حقا مشروعا"، مبينا أن هذه التعويضات ستصرف للفئات الضعيفة بالأساس والفقراء من مختلف التيارات السياسية التي تعرضت للظلم إبان العهود السابقة وعلى مراحل. وكشف الحبيب اللوز أنه وقع الاتفاق بين قيادات حركة النهضة على التنازل عن قيمة التعويض الذي يخصهم لفائدة ميزانية الدولة. من ناحيته، أشار المولدي الرياحي (التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات) إلى وجود اختلاف في وجهات النظر وعدم انسجام بين الديماسي والحكومة مؤكدا أن "استقالة الديماسي في ديمقراطية ناشئة لا تعتبر علامة أزمة بل شهادة على صحة المناخ الديمقراطي الذي تعيشه تونس". ولفت من جانب آخر إلى أنه كان من حق الديماسي الاطلاع مسبقا على إقالة مصطفى كمال النابلي من منصب محافظ البنك المركزي، أو على قرار ترشيح الشاذلي العياري لتعويضه في المنصب. واعتبر انه "على الحكومة أن تستخلص العبر مما جرى وأن تعمق التشاور صلبها لمنع مثل هذه الانزلاقات". وبخصوص قيمة التعويضات شكك الرياحي في الرقم الذي تم تداوله مؤخرا والذي قال إنه "رقم مغلوط" لا سيما وانه لم يتم إلى حد الآن تحديد العدد النهائي للمنتفعين بالعفو التشريعي العام.