الرئيس بن علي : ستظل تونس حريصة على الإسهام بنجاعة في تطوير آليات التحكيم الدولي وفي تأمين تنفيذ القرار التحكيمي تونس 28 ماي 2009 (وات) توجه الرئيس زين العابدين بن علي إلى المشاركين في الندوة الدولية العاشرة للكونفدرالية الدولية لمؤسسات التحكيم التجاري حول موضوع القضايا المعاصرة للتحكيم الدولي الملتئمة بتونس يومي 28و29 ماى بكلمة القاها نيابة عن رئيس الدولة الوزير الاول السيد محمد الغنوشي. وفي ما يلي نص الكلمة : "بسم الله الرحمان الرحيم السيد عبد الوهاب الباهي رئيس مركز تونس للمصالحة والتحكيم السيد اولف فرانك رئيس الفيدرالية الدولية لمؤسسات التحكيم التجاري ضيوف تونس الكرام أيها السادة والسيدات افتتح هذه الندوة الدولية العاشرة للكونفدرالية الدولية لمؤسسات التحكيم التجاري حول موضوع "القضايا المعاصرة للتحكيم الدولي" مرحبا بكم جميعا في تونس أرض اللقاء والحوار وإذ أقدر جهود كل المساهمين في هذا اللقاء من محامين وقضاة وخبراء وجامعيين ومختصين في القانون وممثلين عن الشركات المعنية بالتجارة الدولية وسائر المهتمين بمجال التحكيم والعلاقات التجارية الدولية فإني أرجو للجميع عملا موفقا وإقامة طيبة ببلادنا. لقد كان التحكيم إحدى الآليات الأساسية التي عرفها الانسان منذ القديم واعتمدها طريقة للحد من التوترات الناجمة عن الخلافات بفتح الحوار بين الاطراف المتنازعة والوصول الى حلول توفيقية مقبولة من الطرفين. وان اجتماعكم اليوم في تونس يؤكد اهمية اعتماد هذه القاعدة في الملاءمة بين الثقافات والحضارات والرؤى ومواكبة المستجدات والتطورات العالمية في مختلف الميادين. وقد دأبت تونس على توخي كل السبل التوفيقية المتاحة لفض النزاعات ايمانا منها بان المجتمع مؤهل الى انهاء الخلافات بنفسه فاذا تعذر حلها بطرق صلحية يقع الالتجاء الى التحكيم باعتبار ان صبغته القضائية لا تنفى عنه طابع الوسيلة الرضائية التي يركن اليها الخصوم طائعين ويختارون فيها الاشخاص الذين يريدون تحكيمهم فى الخلاف. وتستند تونس في هذا المجال الى مرجعية دينية وتاريخية عريقة اذ ان مشروعية التحكيم ثابتة في الدين الاسلامي وردت في القران الكريم وفي السنة الشريفة واعتمدها العرب قبل الاسلام وبعده اما في العصر الحديث فقد بدا التشريع التونسي في تنظيم التحكيم والاقرار صراحة بجوازه منذ نحو قرن ولا سيما بشأن النزاعات التي تنشب حول الاستثمار. كما وقع اقراره في النزاعات التجارية منذ صدور مجلة المرافعات المدنية والتجارية سنة 1959 . وكانت تونس أول دولة تصادق على اتفاقية واشنطن لسنة 1965 المتعلقة بالتحكيم في نزاعات الاستثمار وهي ايضا من أولى الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك لسنة 1958 المتعلقة بالاعتراف باحكام التحكيم الاجنبية وتنفيذها. وكنا اذنا منذ السنوات الاولى للتحول بتشكيل لجنة مختصة لإعداد مجلة للتحكيم على ضوء توجهات القانون النموذجى الصادر عن منظمة الاممالمتحدة. وصدرت هذه المجلة في 26 افريل 1993 آخذة في الاعتبار ما هو معمول به من خيارات ومبادىء مكرسة في القوانين الحديثة. ومما يؤكد تجاوب مجتمعنا مع مجلة التحكيم ورسوخ هذا التوجه ببلادنا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي ارتفاع عدد التحكيمات المجراة في تونس منذ سنة 1993 ومنها عدد هام من التحكيمات الدولية. كما وقع إحداث مركز تونس للمصالحة والتحكيم وبعض المراكز التحكيمية الاخرى وتزايد الاهتمام بهذه المادة في جميع الاوساط بما في ذلك الوسط الجامعي حيث تطور تعليمها في كليات الحقوق وانجزت فيها عشرات البحوث والاطروحات وصدرت حولها عدة مؤلفات ونشريات متخصصة. كما اهتمت وزارة العدل وحقوق الانسان بمجال التحكيم لاسيما وقد ركزت مجلة التحكيم الاختصاص القضائي في هذه المادة بالنسبة الى التحكيم الدولي لدى محكمة الاستئناف بتونس. وقد أمكن بفضل المواكبة الدقيقة لحركية التحكيم من اجراء تقويم اولى للتجربة التونسية في هذا المجال اثبت نجاحها رغم بعض مواطن الضعف التي اذنا بتعميق النظر في معالجتها في نطاق حرصنا الدؤوب على تطوير مؤسساتنا واثراء تجاربنا. أيها السادة والسيدات يشهد عالمنا في السنوات الأخيرة تحولات جذرية حاسمة في مختلف الميادين ولاسيما منها المبادلات التجارية الواسعة والتشابك الوثيق في العلاقات والمصالح بين الدول مما تجاوز بكثير ما كان معهودا ومتاحا في اواخر القرن الماضي فقد برزت تحديات جديدة بشأن انتقال العلاقات والمصالح من بعد ثنائي الى بعد متعدد الاطراف وتفاقم عدد المتدخلين ومطالبتهم بحماية حقوقهم علاوة على ما صاحب ذلك من تطور مذهل لتكنولوجيات الاتصال واقتحامها مجالات الحياة كافة مما حتم اعتماد هذه التكنولوجيات من قبل المحكمين والاطراف المتنازعة ومستشاريهم وادراج احكام خاصة بها في القانون النموذجى وفي عدد من القوانين الاجنبية. أما بالنسبة الى تونس فقد تم وضع اطار تشريعي عام ينظم المبادلات الالكترونية في نطاق برنامج طموح وشامل يهدف الي ادماج الاقتصاد التونسي في الاقتصاد اللامادي العالمي. كما وقع اعتماد الوثيقة الالكترونية حجة مساوية في القيمة للحجة الورقية التقليدية ووضعنا ايضا منظومة للامضاء الالكتروني والمصادقة عليه. ونحن نسعى الي تطوير منظومتنا التحكيمية باستمرار ونعمل دائما على تذليل الصعوبات والعقبات التي تقف عائقا امام تنامى نشاط التجارة والاستثمار ونحرص على وضع حد للخلافات بايسر السبل واقل التكاليف وفي اسرع وقت ممكن. ونحن نعتقد ان المناخ السليم للاستثمار والمبادلات لا يتحقق الا في ظل استتباب الامن والاستقرار والقرب من الاسواق وتوفر الكفاءات المختصة ووجود منظومة قانونية شفافة وفعالة ملائمة لفض النزاعات فى صورة وقوعها مع الاعتراف باحكام التحكيم وتنفيذها سواء في البلاد التي صدرت فيها او في غيرها من البلدان وتفادى ابطالها او تعطيل نفاذها. اننا نسعى الى الحفاظ على مكاسب بلادنا في هذا المجال والعمل على اثرائها وتحسينها ودعمها والاستفادة من كل التجارب الناجحة في العالم حتى تكون تونس قطبا بارزا للخدمات في المنطقة وساحة للتحكيم الدولي بفضل ما توفره من مناخ مشجع و ظروف ملائمة وما تتميز به من جدية ومصداقية. أيها السادة والسيدات إنى على يقين بأن انعقاد هذا الملتقى الكبير بتونس سيكون مناسبة لتدارس الاشكاليات التي يطرحها تطور التحكيم في العالم المعاصر واقتراح الحلول المناسبة لذلك لاسيما بحضور مجموعة متميزة من الكفاءات العلمية المختصة وستظل تونس حريصة على الاسهام بنجاعة في تطوير آليات التحكيم الدولي وفي تأمين تنفيذ القرار التحكيمي بما يضمن حقوق المتنازعين ويوفر مناخا افضل لسير المبادلات بين الدول. ونحن نعول في تحقيق اهدافنا على الصورة الايجابية التي تتمتع بها بلادنا على الصعيدين الاقليمي والدولي وعلى ثقة المؤسسات الدولية بها وبكفاءة اطاراتها الوطنية في كل الاختصاصات للمضى قدما في تعزيز التفاهم والتوافق في العلاقات والمعاملات الدولية. وفي الختام اجدد ترحيبي بكم جميعا راجيا لملتقاكم هذا كل النجاح والتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"