نابل 27 جوان 2010 (وات)- مثل مهرجان "القاروم" الذي نظمته جمعية صيانة مدينة نابل كامل يوم السبت حدثا طريفا ومتميزا جمع بين الطرافة في التعريف بطرق إعداد "القاروم" (وهي صلصة السمك) والجدية في إحيائه لموروث تاريخي قديم تميزت به نيابوليس في العهد الروماني. وتدل الحفريات التي أنجزت بالموقع الأثري "نيابوليس" على أن المدينة كانت من أبرز مواقع إنتاج السمك المملح "السلاسان" و"القاروم" منذ آلاف السنين. انطلاقة المهرجان كانت بزيارة ميدانية للموقع الأثري نيابوليس بنابل تولى خلالها الباحث الفرنسي ميشال بونيفاي المختص في علوم الآثار أحد ضيوف المهرجان تقديم لمحة للمشاركين عن خصوصيات الموقع الأثري الذي يروي تاريخ المدينة من خلال ما أنجز به من حفريات وأعمال صيانة انطلقت منذ سنة 1964 وتعمقت بين سنتي 1995 و2006. ومثلت الزيارة أيضا مناسبة أكد خلالها الباحث على تميز الموقع الأثري نيابوليس بما يضمه من علامات مميزة على تطور نشاط تمليح السمك وإنتاج "القاروم" بوجود وحدة كاملة للتصنيع تمتد على مساحة تصل إلى ألفي متر مربع تتكون من 6 أحواض كبيرة الحجم يصل عمقها إلى المترين وهي من أكبر الأحواض في المتوسط والتي كانت تستغل لتمليح السمك أو لإنتاج "القاروم" وتشير البحوث المنجزة إلى أن مصانع السمك بنابل تعود إلى القرن الأول بعد الميلاد وإلى أواسط القرن الرابع فضلا عن وجود أشكال مختلفة لإعداد السمك المملح ومرق السمك ولاسيما باستعمال أنواع "الماكرو" و"السردينة" و"التن الأحمر". وقد تم ذكر اسم "القاروم" من قبل عديد المختصين في فنون الطبخ الإغريق حيث تعود التسمية إلى الإغريق الذين عرفوا هذا المنتوج منذ القرن السادس قبل الميلاد وأطلقوا عليه اسم "غاروس" والذي يعني السمك الصغير. و"القاروم" هو شبيه بصلصلة سمك فيتنامية ما تزال تصنع إلى اليوم وهي "النيوك مام". ويتم تحضير "القاروم" بحفظ السمك الصغير أو قطع من السمك كبير الحجم في جرار أو في الأحواض كما في الموقع الأثري بحساب طبقة من الملح ثم طبقة من السمك لتتخمر تحت أشعة الشمس بين 3 و 4 أسابيع في فترة أولى يمكن على إثرها استعمال إنتاج السمك المملح. أما بالنسبة للقاروم الذي يعد من التوابل السائلة فإن إنتاجه يتطلب فترة أطول تمتد من 6 أشهر إلى سنة كاملة حيث يتم خلط السمك والملح بعد أن يضاف إليها بعض الأنواع من الأعشاب على غرار "الزعتر" حتى يتفكك السمك ويستحيل إلى سائل وهو مرق السمك. وللإشارة انتظم على هامش هذا المهرجان ملتقى علمي شارك فيه عدد من المختصين في التاريخ القديم من فرنسا وتونس تولوا تقديم مداخلات حول تاريخ نابل ومصانع السمك بنابل وحول صناعة "القاروم" وحول تطور الصناعة المرتبطة بالصيد البحري منذ العهد الفينيقي. كما تم بالمناسبة تخصيص فسحة للزائرين لتذوق أطباق من المأكولات ذات الأصل الروماني والتي يتم طهيها باستعمال "القاروم" الذي يستعمل لتفويح المأكولات.