تونس 24 أفريل 2011 ( تحرير جمال بن جدو) - على اثر مصادقتها على مشروع المرسوم المتعلق بانتخابات المجلس التأسيسي بعد مخاض عسير اتجه اهتمام الحساسيات السياسية في تونس، أشهرا قليلة قبل الموعد الانتخابي الأول بعد الاطاحة بالنظام البائد، نحو البحث عن قواسم مشتركة وثوابت جوهرية تصون مكاسب الحركة الإصلاحية الوطنية وتحمي مبادئ ثورة 14 جانفي. فقد خلصت معظم أطياف المشهد السياسي الوطني عبر مواقفها المعلنة إلى أن اصدار ميثاق أو عقد جمهوري تمضي عليه جميع الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات الوطنية وهياكل المجتمع المدني يعتبر الخيار الأمثل لمنع انزلاقات محتملة والضمانة لتجسيم ما يتطلع إليه الشعب التونسي من حداثة وديمقراطية وحرية وتعددية. غير أن اتفاق الحساسيات السياسية على مبدأ اصدار ميثاق أو عقد جمهوري، قابله خلاف جوهري بينها بشان صبغة الوثيقة، هل تكون ذات طابع الزامي وتكتسب بالتالي قيمة قانونية أم يتم الاكتفاء بصبغتها الاخلاقية والاعتبارية تفاديا لكل الهواجس والالتباسات التي قد تستبد ببعض الأحزاب ؟ فكثيرة هي الأطراف التي تشدد على ضرورة إكساب الميثاق صبغة قانونية وهو توجه يهيمن على مواقف غالبية الأحزاب السياسية سواء الممثلة منها بمجلس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي أو غير الممثلة. كما تلتقي مواقف هذه الأحزاب مع دعوات منظمات وطنية وهياكل من المجتمع المدني. وحول وجهة النظر الاولى أوضح الأمين الأول لحركة التجديد احمد ابراهيم لوكالة تونس افريقيا للانباء أن تونس في حاجة خلال المرحلة الراهنة إلى عهد مدني، جمهوري وديمقراطي يؤكد الثوابت الدنيا للممارسة الديمقراطية ويحصن المكاسب الحداثية للشعب التونسي ويحمي عملية الانتقال الديمقراطي من كل الانزلاقات المحتملة ويشرع لمنافسة سياسية شريفة بين الاحزاب ويضمن حق الاختلاف ويؤسس لتداول سلمي على السلطة. وشدد على ضرورة ان يكتسي "اعلان المبادئ" هذا صبغة قانونية والزامية لكل الاطراف وهو ما شاطره فيه شكري بلعيد، عن حركة الوطنيين الديمقراطيين، الذي بين أن لحركته مشروعا واضحا بخصوص "العقد التأسيسي الجمهوري" الذي يهدف إلى تثبيت هوية البلاد واعلاء قيم الجمهورية وتحصين المكتسبات الحداثية والمدنية للشعب اضافة الى الاقرار بفصل الدين عن السياسة وبحياد دور العبادة وبالتعددية الحزبية. وتؤكد حركة البعث، بدورها أنها كانت من أول الاحزاب التي طرحت فكرة الميثاق الجمهوري ولكن تحت اسم "اعلان الثورة التونسية" حيث أوضح امينها العام عثمان بالحاج عمر أنه من الضروري أن يكتسي هذا الميثاق قيمة قانونية ملزمة يقرها المجلس الوطني التأسيسي في جلسته الأفتتاحية ليرفق "الاعلان" بالدستور أو عبر تبني المجلس الدستوري لنص الميثاق. في ذات السياق أكد الاتحاد العام التونسي للشغل على لسان عضو مكتبه التنفيذي رضا بوزريبة ضرورة اعداد ميثاق جمهوري تتفق على مضمونه جميع الحساسيات السياسية على أن يدرج بالدستور الجديد. نفس الطرح تبناه المفكر عبد المجيد الشرفي الذي اعتبر أن ما عرفته تونس من نقلة نوعية بفضل ثورتها ضد الظلم والاستبداد وطموح شعبها يستوجب استصدار عقد يحمل اسم "الاعلان التونسي لأسس المواطنة" يوضح الأسس الرئيسية للمواطنة وتلتزم به جميع الحساسيات السياسية. وفي مقابل هذه الاطروحات، يرى عدد من الأحزاب والشخصيات المستقلة أنه ليست هنالك ضرورة لاكساب الميثاق صبغة الزامية وقانونية وانه يجب الاكتفاء بطابعيه الاخلاقي والاعتباري فحسب انطلاقا من مبدأ أن الاحزاب السياسية الممثلة بمجلس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة المطالبة بالزامية الميثاق لا تمثل سوى نسبة قليلة من الأحزاب الموجودة على الساحة الوطنية اضافة إلى أنها لا تمثل ارادة عامة الشعب التونسي . وتقف حركة النهضة في مقدمة الأحزاب السياسية المعترضة على الصبغة الالزامية للميثاق الجمهوري وترى أن الصبغة الاخلاقية للوثيقة تكفل لوحدها تفادي المخاوف التي تبديها عديد الاطراف حيث أكد عضو الهيئة التأسيسية للحركة نور الدين البحيري ل/وات/ أن الميثاق الذي تنشده حركة النهضة يجب أن يكون ادبيا //يلزم الموقعين عليه دون سواهم ولا يلزم غيرهم، كما لا يجب أن يكرس هيمنة أقلية من الأحزاب على بقية الحساسيات السياسية وهياكل المجتمع المدني والشعب التونسي//. واضاف أنه //من منطلق مبدئي وبحكم ما عاناه الشعب من استبداد وما تعرضت له الحركة من ظلم طوال عقود طويلة ترفض "النهضة" أن تكون وصية على بقية الاحزاب والمنظمات والجمعيات غير الممثلة في مجلس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة ولا على الشعب التونسي المدعو الى التعبير عن ارادته في انتخابات جويلية القادم//. وأوضح أنه انطلاقا من هذا المبدأ //لا ترى حركة النهضة مانعا في مشاركة الأطراف الممثلة في مجلس الهيئة في صياغة ٌ"عهد جمهوري" ينبني على أرضية توافقية بين الجميع تعاد به الثقة لكل التونسيين ويوصل البلاد إلى شاطئ الأمان//. وبدوره ابدى حزب المؤتمر من اجل الجمهورية اعتراضه على اكساب الميثاق صبغة قانونية انطلاقا من غياب الشرعية الدستورية عن مجلس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة الذي تطالب غالبية الاحزاب الممثلة به باصدار هذه الوثيقة مؤكدا ان //ما سيخلص إليه المجلس من توجهات بخصوص الميثاق سيلزم الموقعين عليه دون سواهم//. وأشار سمير بن عمر عضو حزب المؤتمر في هذا الصدد الى أنه //لا يحق لهيئة استشارية، وهي مجلس الهيئة العليا لحقيق أهداف الثورة، أن تقيد أشغال هيئة منتخبة، وهي المجلس الوطني التاسيسي، عبر وثيقة تمضي عليها أطراف لا تمثل كافة الحساسيات السياسية في البلاد ولا تعكس تطلعات كافة مكونات الشعب التونسي//. من جهتها لفتت نورة البورصالي (شخصية مستقلة) إلى الاشكال القانوني المتعلق بكيفية اكساب الميثاق الجمهوري المرتقب صبغة الزامية قبل تنظيم الانتخابات التاسيسية موضحة أن المخرج من هذه الوضعية يمر عبر تنظيم استفتاء شعبي حول الوثيقة قبل اجراء انتخابات 24 جويلية. وبحسب عديد المحللين، فإن اختلاف مواقف الحساسيات السياسية حول صبغة الميثاق الجمهوري، ينطوي على بوادر فرز ومؤشرات تمايز منبثقة عن مرجعيات إيديولوجية مختلفة وأهداف سياسية معلنة وخفية، وذلك في مرحلة لم يبرز فيها بعد بشكل جلي الوزن الانتخابي الحقيقي لكل تنظيم سياسي. كما أن هذا الاختلاف الذي بلغ حد الخلاف، لا يعدو أن يكون مناورة سياسية استخدمها البعض، بشكل استباقي، لاستمالة بعض قطاعات الرأي العام وخاصة الأطراف غير الممثلة بمجلس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة ومن أجل كسب ود الناخبين أشهرا قليلة قبل الاستحقاق الانتخابي الأول بعد ثورة 14 جانفي.