في مشهد تلفزيوني تونسي يتغير باستمرار، وتتعدد فيه القنوات والإنتاجات الجديدة، يبقى هناك ثنائي ذهبي يرفض أن يغادر شاشة القناة الوطنية الأولى: سيتكوم "عند عزيز'''' لوتيل" وسلسلة "شوفلي حل". بالرغم من مرور سنوات طويلة على عرضهما الأول، إلا أن إعادتهما المستمرة تحظى بنسب مشاهدة عالية، وتُعيد للأذهان زمنًا جميلًا من الكوميديا التونسية الأصيلة. فما هو السر وراء هذا النجاح الخالد وهذه الجاذبية التي لا تبهت؟ 1. أصالة تونسية وواقعية بلا تكلّف: "عند عزيز لوتيل" و"شوفلي حل" لم يكونا مجرد أعمال فنية، بل كانتا مرآة تعكس الواقع التونسي ببراعة وصدق. الشخصيات التي قدمتها هذه السيتكومات كانت من صميم المجتمع التونسي: الأب "سبّوعي" بطيبته وبساطته، "فوفو" بشقاوتها، "سليم" و"زينب" بمشاكلهم الزوجية اليومية، "سي بوبكر" و"فضيلة" بنكهتهم الخاصة. هذه الشخصيات كانت قريبة جدًا من الجمهور، تتحدث بلهجتهم، وتعيش تفاصيل حياتهم، مما خلق ارتباطًا عاطفيًا عميقًا ودائمًا. 2.كوميديا نظيفة تُلامس القلب والعقل: تميزت هذه الأعمال بنوع خاص من الكوميديا: كوميديا الموقف التي لا تعتمد على الإسفاف أو المبالغة، بل تستمد ضحكتها من مواقف يومية بسيطة ومفارقات الحياة. الضحكة التي تقدمها "عند عزيز لوتيل" و"شوفلي حل" هي ضحكة نظيفة، يمكن لجميع أفراد العائلة الاستمتاع بها دون حرج. هذه الكوميديا الذكية، التي تعالج قضايا اجتماعية واقتصادية بأسلوب ساخر ومُحبّب، تجعلها صالحة لكل زمان ومكان. 3.حنين إلى الماضي وعودة للزمن الجميل: في ظل التحديات الحالية والتغيرات السريعة التي يشهدها المجتمع، يجد الكثير من التونسيين في إعادة مشاهدة هذه السيتكومات ملجأً وحنينًا إلى زمنٍ مضى. إنها تمثل فترة من البساطة، التماسك الاجتماعي، والفن الأصيل. مشاهدة "شوفلي حل" أو "عند عزيز لوتيل" ليست مجرد ترفيه، بل هي رحلة عبر الزمن تُعيد ذكريات الطفولة والشباب، وتُشعر المشاهد بنوع من الأمان والاستقرار العاطفي. هذا "الرجوع إلى الماضي" يعكس أحيانًا هروبًا من واقع حاضر قد يكون أكثر تعقيدًا وإثارة للتوتر. 4.جودة فنية وإنتاجية عالية لزمنها: بالرغم من الإمكانيات التي كانت متوفرة آنذاك، إلا أن هذه الأعمال تميزت بجودة فنية عالية، سواء على مستوى الإخراج، السيناريو المحكم، أو الأداء التمثيلي المتميز. ممثلون كبار أمثال منى نور الدين، كمال التواتي، يونس الفارحي، كوثر الباردي، سفيان الشعري، وغيرهم، تركوا بصمة لا تُمحى في الذاكرة الجماعية التونسية، وأصبحت شخصياتهم جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية. 5.نقص البديل القوي في الإنتاجات الحديثة: يرى البعض أن استمرارية نجاح السيتكومات القديمة يعود أيضًا إلى ضعف بعض الإنتاجات الحديثة، التي قد تفتقر إلى عمق السيناريو، قوة الأداء، أو القدرة على ملامسة الواقع التونسي بنفس الصدق والعفوية. هذا النقص في البديل القوي يجعل المشاهد يعود دائمًا إلى الأعمال التي أثبتت جودتها وقدرتها على إرضاء أذواقه. في النهاية، يمكن القول إن سيتكومات مثل "عند عزيز لوتيل" و"شوفلي حل" ليست مجرد مسلسلات كوميدية، بل هي جزء من الذاكرة والتراث الثقافي التونسي. هي شهادة على فترة ذهبية من الدراما التونسية، تتربع على عرش المشاهدة المتكررة على الوطنية الأولى، ليس فقط لأنها تضحكنا، بل لأنها تُعيدنا إلى هويتنا وتاريخنا وتبقى جزءًا من حكاياتنا المتوارثة.