يتضمن هذا المحور، أولا طرح نقابة الصحفيين والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري مشكل التضليل والأخبار الزائفة، وثانيا دور الجمهور في حماية نفسه من تداعيات هذا المشكل. 1-قصور آليات التعديل التلاعب بالمعلومات وإهمال خلفية الخبر والخلط بين الرأي والتعليق والتحليل أو الضبابية في تحديد المصدر، أو بث كم هائل من الأخبار إلى الجمهور ما تجعله غير قادر على فهمها وتدبرها. أيضا التضخيم والتهويل والقراءات المخادعة للإحصائيات واستطلاعات الرأي والحوار المشوّه بالتركيز على التفاصيل الهامشية، وتكرار الفكرة الخاطئة وترسيخها". جميع هذه التقنيات وقع التحذير منها واعتبارها أدوات مضللة للجمهور ومساهمة في نشر الأخبار الزائفة، في قرارات وتقارير 'الهايكا' ونقابة الصحفيين. وقد جاء في التقرير "إنّ صحافة التضليل التي تجرأت على احتراف خرق أخلاقيات المهنة لا تتورّع عن الكذب بل يصبح من اختصاصها التزييف والمغالطات غير المجانية لأنّها تعمل لحساب جهات معيّنة أهمّها البوليس السياسي الذي يوفّر لها حصانة قضائية يتمتّع بها هو نفسه". وهذا ما أشار إليه الكاتب الفرنسي فرانسوا جيرييل أن "التضليل هو نشاط منظم تديره أجهزة مختصة، قد يكون لها مكاتب مركزية شأن الأجهزة السوفياتية أو النازية"، مثل "أنشطة الأجهزة المختصة ومعركة الوثائق التي من وسائلها إعدام الوثائق أو إخفاؤها أو افتعالها، ضمن خطة تكتيكية وإعلامية". أما بالنسبة إلى النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين فقد أصدرت تقرير "أخلاقيات العمل الصحفي في الصحافة المكتوبة" في جانفي 2014، تضمن وثائق حول مختلف أعمال التضليل في الصحافة التونسية تم رصدها خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2013، وكانت أهم مخرجات التقرير رصد أساليب من التضليل "(اختلاق الأخبار والعناوين الكاذبة والمخادعة والإشهار المقنع وتوجيه اتهامات دون سند والتحقير والتجريح والخطاب العنيف والتشهير ثم التلميع أو العكس، وعدم الإنصاف في قضايا خلافية بعرض وجهة نظر واحدة، وعدم تكذيب الأخبار الزائفة أو المخادعة أو التملص في نشر الردود على تلك الأخبار أو الثلب ). وفي سؤالنا للجمهور عن رأيه حول أداء النقابة والهايكا تجاه مقاومة التضليل والأخبار الزائفة، كانت النتائج كالآتي، حيث يبين الرسمان البيانيان أن التقييم بدرجة دون المطلوب لأداء النقابة كانت بنسبة 46% والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري 52% في حين 36% أداء متوسط للنقابة و34 % للهيئة ونسب ضعيفة لأداء جيد وجيد جدا لكليهما. 2- دور الجمهور في حماية نفسه من التضليل والأخبار الزائفة يعد مشكل التضليل ومقاومة الأخبار الزائفة قضية مهمة بالنسبة للجمهور التونسي وذلك حسب النتائج التي تم التوصل إليها من خلال الاستبيان الذي قمنا به في هذه الدراسة. هو على وعي بما يجري من محاولات تضليل ونشر أخبار مزيفة والتلاعب به لغايات متعددة ولخدمة مصالح. والحال في واقعنا الإعلامي اليوم، أنه رغم محاولات وجهود النقابة وهيئة الاتصال السمعي البصري في التصدي لهذه المعضلة، إلا أن خطورة الانتشار المتسارع للأخبار الزائفة والمضللة في مختلف وسائل الإعلام مازالت قائمة. ولعل السبب الأبرز لتفسير ذلك هو قصور جهود النقابة والهيئة. وفي سؤالنا للجمهور حول الآلية المناسبة لتمكينهم من مقاومة التضليل والأخبار الزائفة، اجمع أفراد العينة على ضرورة إرساء آلية تمكنهم من التحري والتثبت من صحة الخبر بنسبة 95 %. وقد اقترح في هذا السياق مشروع مؤسسة "مراقب" الأمريكي استراتيجية تحت عنوان "لا تيأسوا أصلحوا وسائل الإعلام" ل"الدفاع الإعلامي عن النفس" لتخليص المجتمع من التلفيق، من خلال خطوات تتمثل في تزويد الجمهور نفسه بالمعلومات عن الأجندات العامة وشركات العلاقات العامة وقوى الضغط. أيضا المطالبة بحلول سياسية طالبوا بحلول سياسية: بالضغط عبر السلطة التشريعية لكشف التزييف الإعلامي. ودعم الشركات الإعلامية المستقلّة وأن يكونوا جزءا منها، ونشر الرسالة التي تقول إنّ إصلاح الديمقراطية يتطلب إصلاح وسائل الإعلام ردّوا على وسائل إعلامكم". وقد توصلنا في هذا المحور إلى نتيجة مفادها عدم تمكن نقابة الصحفيين وهيئة الاتصال السمعي البصري من ردع محاولات التضليل والتلاعب بالرأي العام عبر الأخبار الزائفة والمفبركة، ردعا تاما أو ناجعا. الخاتمة من خلال هذه الدراسة تبينت عدة نتائج منها أهمية مشكل مقاومة الأخبار الزائفة والتضليل لدى الجمهور التونسي ووعيه بتداعياته ومخاطره كتهديد السلم المجتمعية ونشر الفتن والفوضى وسط المجتمع. وأيضا استعمال الجمهور التونسي موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك لمعرفة الأخبار في تونس معللين ذلك بسرعة توفيره الأخبار. ويجدر الإشارة إلى أنه يوجد على فايسبوك مقاطع فيديو قصيرة لا تتجاوز مدتها 3دقائق بالنسبة للقنوات التلفزيونية والإذاعات باستخدام تقنية "البث الحي"، أي أنه لا يعتبر هذا الموقع الوحيد والأكثر استخداما للاطلاع على ما يجري في تونس من أحداث. إلى جانب توصل الدراسة إلى قدرة الجمهور التونسي وسعيه إلى لعب دور المراقب والمدافع عن نفسه من آليات التلاعب والتضليل. وقد تم إثبات فرضية قصور المعالجة الإعلامية من قبل نقابة الصحفيين والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. فهي تقتصر فقط على فرض عقوبة بسيطة وغير مجدية على وسيلة الإعلام المضللة. حيث تقوم هذه الهيئة بمعاقبة الوسيلة ماديا، ثم بعد مدة تعود نفس الوسيلة بارتكاب نفس الخطأ بشكل آخر. وهذا لا يجدي نفعا أمام الكم الهائل من المعلومات والأخبار المضللة ف"لا تتوقع أن تتمكن من مكافحة خرطوم الأباطيل، بمسدس الحقيقة الذي يبخ الماء"(1). وفي الآونة الأخيرة تزامنا مع ظهور جائحة فيروس كورونا وانتشار الأخبار المفبركة والزائفة، ظهرت مراصد الكترونية جديدة لمقاومة هذا المشكل كمرصد "الثبات الباهي" لمنظمة أنا يقظ ومرصد "فالصو". 1- نموذج الدعاية الروسي "خرطوم الأباطيل" RAND CORPORATION 2016. آية سليمي طالبة ماجستير بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، جامعة منوبة، تونس. المراجع غوستاف لوبون سيكولوجية الجماهير، دار الساقي 1991. التقرير السنوي، واقع الحريات الصحفية في تونس 2019، النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. تقرير الحريات ماي 2014 النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. ناعوم تشومسكي، السيطرة على الإعلام، 1988. بيار بورديو، التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول،1987. لطفي حيدوري، مقال الإعلام التونسي وأخلاقيات المهنة أزمة الضمير واحتقار الجمهور، مجلة 30 دقيقة، جانفي 2017. لطفي حيدوري، التضليل الإعلامي الصحافة بين الاقتراف والاحتراف، مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية. عبد الله الزين الحيدري، الميديا الاجتماعية المصانع الجديدة للرأي العام (دراسة)، 2017 جامعة قطر بومعيزة السعيد، التضليل الإعلامي وأفول السلطة الرابعة (دراسة)، كلية علوم السياسية والاعلام جامعة الجزائر مكتب الجزيرة للدراسات وجامعة كامبريدج، كتاب الإعلام في مراحل الانتقال السياسي: الحالة التونسية نموذجا 2015 هربرت شيللر، المتلاعبون بالعقول، عالم المعرفة 1999. عبد الحليم حمود فن غسل الأدمغة بحث في الدعاية والرأي العام 2008. نموذج الدعاية الروسي "خرطوم الأباطيل" RAND CORPORATION. بيير بورديو: الرمز والسلطة، ترجمة: عبدالسلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986. اسماعيل علي سعد الاتصال والرأي العام مبحث في القوة والأيديولوجية 1989. نواف التميمي دراسة نموذج التواصل السياسي ل"كامبريدج أناليتكا"، فبركة الأخبار وهندسة الجمهور، مركز الجزيرة للدراسات 2018. كلوديان، التضليل الكلامي وآليات السيطرة على الرأي. ثريا السنوسي، أخلاقيات الصحافة في المشهد الاعلامي السمعي المرئي الخاص في تونس (دراسة)، معهد الصحافة وعلوم الاخبار 2009. ليلى فيلاني، نعوم تشومسكي دراسة الضبط الإعلامي في الدول الديمقراطية سلطة خامسة في مواجهة السلطة الرابعة، جامعة الجزائر 2018. نعوم تشومسكي وثيقة استراتيجيات التحكم في البشر والسيطرة على الجمهور "سري للغاية الأسلحة الصامتة للحرب الهادئة" 1986. بوبكر بوعزيز، مصادر الخبر الصحفي من وكالة الأنباء الى الفيس البوك (دراسة) جامعة باتنة 2017 مجلة آفاق العلوم. عربي شويخة، وسائل الإعلام في تونس التحول الصعب من الاستقلال إلى انتخابات 2014.