من حين لآخر تطلع علينا – نحن التونسيون- ما يسمى بمؤسسة ‘سيغما كونساي'بسبر للآراء لا ندري ما هي الشريحة التي تمّ مسحها لمثل هذه الإجراءات ثم مدى جديتها وواقعيتها ففي شهر أفريل 2014 زعمت هذه المؤسسة أن نداء تونس – ذي المرجعية المزدوجة بين اليسار الذي يقوده بقايا التجمعيين اليساريين الإستئصاليين والرأسمالية الجشعة التي يتحكم فيها بقايا التجمع المنحل – دائما في الطليعة بتراجعه (46.8%) مضفية على السبر صبغة العلمية بالقول إن حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية تحسنت بشكل طفيف ب(35.4%) والجبهة الشعبية ذات المرجعية اليسارية الماركسية ب(5.9%) هذا في التشريعيات،أما في الرئاسيات فنفس الإستنتاج حيث تراجع قائد السبسي (31.6%) وتواصل صعود مهدي جمعة (21.1%) و كان حمادي الجبالي (10.9%) من خلا ل هذه التقنية التي تتكرر كل شهر تقريبا فليسمح لي القارئ العزيز بإبداء الملاحظات التالية: إذا اعتمدنا التعريف المتعارف عليه لسبر الأراء منذ قرنين خليا من أنه" وصف الكل انطلاقا من معرفتنا بالجزء" فإن هذه التقنية شهدت اهتزازات في الثقة في كثير من البلدان وخاصة في الولاياتالمتحدة منها على سبيل الذكر لا الحصر ف"في سنة 1948 بعد أن قامت ثلاث منظمات خاصة بسبر الآراء بمناسبة الانتخابات الرئاسية التي واجه فيها ترومانTruman المرشح الجمهوري ديويDewey ، وارتكبت هذه المنظمات أخطاء تتراوح بين 5 بالمائة إلى 12 بالمائة عند عرض نتائجها"*. وحيث أن الولاياتالمتحدة تعتبر من الدول العريقة في اعتماد هذه التقنية التي نحت منحى الدقّة في ذلك سنة 1936 لتُجري المؤسسة الأمريكية للرأي العام التي أنشأتها مؤسسة "غالوب" Gallup أول تحقيق علمي، نجحت في استخدام عينة من 3000 ناخب للتنبؤ بانتخابات روزفلت. فإن مثل هذه الآليات لا تخلو من خطورة على الرأي العام من حيث تردد التنائج وتكرارها والحالة التونسية التي انطلقت منها المؤسسة المذكورة آنفا أنها لا تفتأ تعيد نفس النتيجة ولكن بشيء من التغيير الطفيف . لذا يجعل المتابع لا يطمئن لمثل هذه العمليات وللقائمين عليها في ظل التجاذبات السياسية والفكريائية وإنها لا تخلو من التوظيف السياسي المبطن أحيانا والمفضوح غالبا.لأن كثيرا من الناس لايفرقون بين الرأي والإشاعة من جهة وعلاقتهما بعملية السبر التي تُعرف لغويا بالإختبار وامتحان غور الشيء لمعرفة ما بداخله من جهة أخرى،وبالتالي يستغل بعض القائمين هذا الجهل بالأمر فيمررون هذه التقنيات دون أن يكلفوا أنفسهم القيام بتوعية الناس بخلفياتها ومدلولاتها. ولنضرب مثلا على ذلك حيث أن العلماء يفرقون بين الرأي والإتجاه،فالرّأي تعبير لفظي سمته التغيّر وعدم الثبات عكس الإتجاه ذي الخصزصية الثابتة نسبيا. والشرائح المستهدفة في عمليات "سبر الأراء" تكون غالبا متنوعة من حيث العمر والمستوى التعليمي والثقافي ومن جهات مختلفة ولا تنحصر في مكان بعينه . وعموما فإن هذه التقنيات التي تجريها بعض المؤسسات التونسية هي في حاجة إلى دراسة مستفيضة من حيث عملها وتقنياتها والقائمون عليها وكذا الفئات المستهدفة بالسبر. فهل يمكن لنا أن نقول أن سبر الأراء لا يعكس دائما الواقع المعيش إذ هناك فرق بينه وبين الحقيقة العلمية المؤسسة لها. *من دراسة عن مكتب التربية العربي لدول الخليج عبدالله النوري