ارغمت نفسي مكرها على الاستماع لأخبار الثامنة لهذه الليلة على القناة اللاوطنية … كانت مشاغلي عديدة ومع ذلك الزمت نفسي بالاستماع الى النشرة حتى النهاية … اشكرك يا رب ان منحتني كل هذا الصبر الذي اتفوق به على الكثير من مواطني تونسنا العزيزة … و لا زلت امني النفس بان اكون الوحيد الذي استمع لهذه النشرة من بدايتها الى نهايتها … رقم قياسي و لا شك … دعونا من “المذيعة” فهي “ضايعة في الطريق” … الغالب على المشهد هو الاحتجاج و البكائيات و المقارنات المسمومة مع الماضي (من بورقيبة الحاضر في لافتات نداء تونس من اجل البحث عن شرعية متنكرة للتجمعيين) و بن علي الحاضر من خلال المقارنات الاقتصادية (بحضور الخبير الهمام مرة اخرى من نداء تونس، المدعو عزالدين سعيدان) التي توحي بان الماضي افضل و ان الثورة لم تجلب الا شظف العيش و غلاء الاسعار … الشهداء المذكورون في هذه الذكرى هم بضع انفار حتى لا يقال ان تونس هي رحم اكثر عطاء كانت تقدم الشهداء على مد العشريات المتتالية من حكم الديكتاتورية … و ان الثورة انما تحققت بمداد جميع الاحرار من كل التوجهات و المشارب … الدولة حاضرة باحتشام من خلال رموزها حتى لكان القائمين عليها الان ليست لهم لا شرعية و لا قيمة … الجو العام ثقيل يوحي بان اليوم هو يوم حزين في تاريخ هذه البلاد… بقي فقط ان تنكس الاعلام … التشكيك، الحذر، الحضور اللافت للأمن، الخصومات التي لا تنتهي، الدستور الذي لم ينجز … و حتى الخوف من الرجعية وقع ذكره بضع مرات حتى تكتمل الصورة قتامة … اليوم ادركت اكثر من ذي قبل ان الحل الوحيد مع اعلام “الندابة” هذا هو تجاهله و بذل الوسع في ايجاد الاعلام البديل الذي يخاطب اشرف ما في الانسان و هو عقله و ذكاءه و حريته … تصبحون بإذن الله على وطن حر … مصاعبه عديدة وتحدياته اصعب و لكن مسيرته الثابتة نحو غده الافضل لن تتراجع الى ان تصير تونس بلدا متصالحا مع هويته و تاريخه، مستقلا عن كل التجاذبات الاستعمارية القديمة و الحديثة، و فيه من الحرية و الكرامة و الرغد ما يجعله قبلة الباحثين عن الديمقراطية الجديدة (التي لا تتعارض فيها الكرامة مع الحرية) و الحداثة الجديدة التي تجعل امتنا فاعلا حضاريا و ليس مجرد شعوب مستنسخة لما يريد المستعمرون “بكل تلوناتهم” ان يصوروه لنا على انه غاية المنى و “ادراك ما لا يدرك” …