هذيان … ما نموتشي … تموت و نحيا د.سامي ابراهم كالعادة السنمائي النوري بو زيد يصنع الشو الإعلامي و يثير الجدل الفكري … الفلم الجديد ما نموتشي كما صرّح المخرج في أوّل عرض بقاعة الكوليزي البارحة رسالة موجهة لمن قال أنّهم هدّدوا بقتله و طالبوا بموته … لذلك قرّر أن لا يموت … و كان الفلم وسيلة عبوره للخلود و قهر من يتمنون موته … فهل كان الأمر كذلك ؟؟؟ أراد سي النّوري أن ينزّل أحداث فيلمه المدعوم من وزارة الثقافة ضمن السياق التاريخي للثورة و ما بعد الثّورة من خلال قضيّة الحجاب مفتعلا شخصيتين تشتركان في تعرض أحديهما للإكراه على ارتداء الحجاب و الأخرى على نزعه … المتحجبة عائشة ارتدت الحجاب بعد علاقة خارج إطار الزّواج أثمرت جنينا غير مرغوب فيه … تتعرّض لتحرّش جنسي و هرسلة من طرف مشغلها لنزع الحجاب و لهرسلة مقابلة للانقطاع عن العمل من طرف صديقها السّابق حمزة سجين الحق العام الذي تخونج في السّجن و هرب في أحداث الثورة … الشخصيّة الثانية صديقة عائشة التي تتعرّض لهرسلة من طرف أمّها التي تكرهها بأشكال غريبة على ارتداء الخمار حيث تدسّ لها الخشخاش في المشروب و تكلّف خالتها بإخضاعها و تدجينها للاحتجاب … و ينخرط اخوها حمزة المسرّح من السجن في نفس الدّور و ذلك بطلب من خطيبها رجل الأعمال القريب من الطرابلسية الذي يريد أن يتخذ من تحجّبها و قبرها في البيت أداة للتقرّب من النهضة !!! … و كل سياق الفيلم و أحداثه و شخوصه على هذا النسق الرّتيب من الرؤية الأديولوجيّة الجاهزة و الخطّة الدّراميّة النمطيّة السطحيّة المسقطة مع إقحام مجاني لعنصر السلفيّة مشيطنا هذه الفئة من المجتمع و ينتهي الفيلم بخروج الفتاتين إلى الشّارع دون حجاب حاملتين شعلة بروميثيوس ” أكورديون النّوري بوزيد ” المخرج الذي أقحم نفسه في البناء الدّرامي للفيلم من خلال مشاهد تغسيله و تكفينه بعد وفاته في مظاهرة و التحفّظ عليه في بيت الموتى … طبعا ليس من حقنا أن نفرض على المخرج رؤية و رؤيا لأنّ العمليّة الإبداعيّة الرّؤيويّة خيال حميمي حرّ طليق ليس مطلوبا منها إرضاء المتقبل و موافقة انتظاراته… كما أنّ الفنّ ليس محاكاة للواقع لذلك ليس من حقنا أن نلزمه بمطابقة وقائع التاريخ … لكن طالما أنّ المخرج اختار بل حرص على تنزيل قصته في قلب حراك الثورة و ما بعدها من خلال تكثيف حضور السياق التاريخي القريب من المشاهد فإنه من حقنا أن نختبر مقاربته و تشخيصه للواقع … و تبعا لذلك فإنّ المخرج تقوّل على الثورة و ما بعد الثورة و خولت له رؤيته الأديولوجيّة النمطية الجامدة و أحكامه الأشبه بالكليشييات الساذجة بناء دراميا مفتعلا لا يعكس نبض الواقع بل يصنع خطاب دعاية مجانية مكشوفة تلقاها العديد من المشاهدين بكل استياء و خيبة انتظار بعد الفيلم … يصرّ النوري بوزيد على تقسيم البلد و تمزيقه فئويا متعاميا على أنّ المتحجبة و غير المتحجّبة كلتاهما شاركتا في الثورة بكل مراحلها من 17 ديسمبر إلى 14 جانفي إلى القصبتين و الانتخابات و التّاسيسي … كما أنّ من المتحجبات منتميات لأحزاب شيوعيّة طالما ناهضت الحجاب و من غير المتحجبات منتميات لحزب النهضة الذي يؤمن منظوروه بفرضيّة الحجاب دينيا … بل إنّ مشكل النقاب في تونس لم يطرح في علاقة بخيار الاحتجاب و القبوع في البيت بل بمزاولة الدّراسة و العمل … يعني أنّ سي النوري على هامش حراك الواقع يروي حكاية من بنات أفكاره لا من بنات الواقع أشبه بالهذيان الفصامي … لقد تعامى عن معاناة آلاف المحجّبات اللاتي عانين من التنكيل زمن الاستبداد و القمع و مُزّق الخمار فوق رؤوسهنّ و ألزمن بإمضاء الالتزامات لنزعه و منعن بسببه من العمل و الدّراسة … فاختار أن يعبث بمعاناتهنّ و الرمزيّة النضاليّة لخمارهنّ من خلال نموذج المتحجّبة الذي احتفى به في فيلمه ليطمس نضالهنّ . نسي النوري بوزيد أنّ هؤلاء النساء متحجبات و غير متحجبات من بنات مجلّة الأحوال الشخصية و منظومتها القيميّة و الحقوقيّة و لا يمكن لأحد أن يفرض عليهنّ خيارا ضدّ إرادتهنّ مهما كانت سلطته …و دفعن من أجل ذلك ضريبة قاسية انتهت بتتويج تعبهنّ بالثّورة. الفيلم الذي أراد من خلاله النّوري بوزيد أن يعلن عدم موته فنيا هو حسب تقديرنا إعلان عن موته فنيا و ثقافيا بعد موته الأيديولوجي منذ اليوم الذي زار فيه سجن القصرين في إطار برنامج إدارة سجون بن علي لإعادة ” تأهيل ” مساجين الانتماء الإسلاميين و غسل أدمغتهم من لوثة ” الفكر الإرهابي ” و وجد يومها مساجين مواكبين لكلّ افلامه بحسّ فنّي و نقدي عال … لذلك نقول لقد متّ يا سي النوري و أعلنت بنفسك نبأ وفاتك … بعد موتك هذا ستنجب الثّورة سنمائييها الذين يعبّرون عن حراكها الدّرامي و بنائها الفني و إيقاعها الجمالي و إنسانيّة شخوصها … سننبعث من الموت مثل طائر الفينيق من تحت رماد الاستبداد الذي طالما كان المدد المادي و المعنوي الذي يمدّكم باسباب الحياة و البقاء … اليوم استوت الرّؤوس … اليوم تموت و نحيا