برز التوافق السياسي كآلية مهمة في إدارة المراحل الانتقالية في التجربة التونسية عقب الثورة، وانطلق بتجربة الترويكا بين حركة النهضة، والمؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وتواصل هذا التوافق الى غاية انتخابات 2014، ليتغير بعض أطراف التوافق فيما ظلت النهضة راعية لهذا التوافق تغليبا لمصلحة البلاد. ويمكن القول إن فكرة التوافق السياسي هو خيار تونسي محض أملته الظروف السياسية للبلاد والتعامل بواقعية مع المشهد الحزبي، وهو ما مكّن البلاد من مجاوزة هزات أو خلافات حادة كان يمكن أن تؤثر سلباً على المسار الديمقراطي الناشئ، وهو ما يفسر حرص حركة النهضة على الحفاظ على هذا المسار، ضمانا لاستمرارية العملية السياسية في البلاد ومنع انحرافها نحو توجهات سلطوية استبدادية. ورغم التشويهات، والاحكام المتسرعة في حقها عقب الاعلان عن النتائج الأولية في الانتخابات التشريعية الجزئية في ألمانيا، عبرت حركة النهضة عن حرصها المتواصل على بذل قصارى الجهد لتنقية المناخ السياسي في البلاد بما يدعم مقومات الاستقرار ويخلق شروط النمو ويدعم الحكومة ومؤسسات الدولة للقيام بأدوارها في هذه المرحلة الدقيقة التي توجب على الجميع تغليب منطق الوحدة الوطنية والمصلحة العليا للبلاد على المصالح الحزبية الضيقة. واتهمت الحركة أطرافا، لم تذكرها واكتفت بالإشارة إلى أنّ إسمها اقترن بالاستبداد والفساد، ب"محاولة تسميم الأجواء السياسية والتشويش على المسار وتكريس منطق الاحتقان والاستقطاب وتقسيم التونسيين". وكان المكلف بالشؤون السياسية لحركة نداء تونس برهان بسيس قد لمّح الى وجود توجه داخل الحركة الى مراجعة هذه العلاقة، وذلك على خلفية فوز المرشح ياسين العياري في الإنتخابات التشريعية الجزئية بدائرة ألمانيا بفضل ما اعتبره بسيس اصواتا نهضاوية. كما لفت عدد من قياديي النداء النظر إلى وجوب مراجعة العلاقة مع حركة النهضة على غرار الناطق الرسمي للنداء المنجي الحرباوي الذي اعتبر أن النهضة أضرّت بحزبه. واعتبر السياسي محمود البارودي أن نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية "مثلت ضربة للأحزاب الحاكمة"، في إشارة مباشرة إلى حركتي نداء تونس والنهضة، واتهم في تصريحات صحافية حركة النهضة بأنها "غدرت" بحركة نداء تونس. واعتبر، رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق من هول صدمة الفشل، في تدوينة على صفحته الرسمية بالفايسبوك مساء الأحد 17 ديسمبر 2017، أن حركة النهضة انتصرت بمرشحها الحقيقي في الانتخابات التشريعية الجزئية عن دائرة ألمانيا بفوز ياسين العياري عن قائمة أمل. واتهم بذلك مرزوق حركة النهضة التي قررت عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا، ودعم مرشح حركة نداء تونس، بدعم مرشح قائمة أمل ياسين العياري فيها. في المقابل، نفى المرشح الفائز بمقعد في البرلمان ياسين العياري " جملة وتفصيلا ان تكون ماكينة النهضة وراء انتصاري متابعا " لقد كنت شاهدا على دور قيادات النهضة في ألمانيا في دفع الناس والاتصال بهم من اجل انتخاب مرشح النداء. وتابع العياري " 90 بالمائة من المصوتين النهضويين صوتوا لمرشح النداء رغم ان الأغلبية رفضت التصويت والاستجابة للقيادة. من جهة أخرى، ثمن بيان صادر عنها الاربعاء 20 ديسمبر 2017، عقب انعقاد المكتب التنفيذي للحركة على الامر القاضي بدعوة الناخبين للانتخابات البلدية المقبلة، لما في ذلك من تأكيد على سلامة مسار الانتقال الديمقراطي وتقدّمه، مشيرا الى ان ذلك وضع البلاد على سكة الانتخابات ووقف حالة التردد التي ارتبطت بتأجيل موعد الانتخابات. كما أشاد المكتب التنفيذي، بالنشاط الديبلوماسي الذي يقوم به رئيس الجمهورية لدعم إشعاع تونس في الخارج ونصرة القضية الفلسطينية والمساهمة في احلال الوفاق بين الاشقاء في ليبيا. وعبرت الحركة عن اعتزازها بأن تحل الذكرى السابعة للثورة وتونس تعيش على إيقاع المصالحة بين أبنائها بعيدا عن مخاطر الانقسام والفتنة، وخاصة بعد المصادقة على قانون المصالحة الإدارية وإعادة الاعتبار للكفاءات الوطنية. واكدت على اهمية الانتخابات المحلية باعتبارها استحقاقا وطنيا وخطوة أساسية لاستكمال البناء الديمقراطي، وإرساء دعائم التنمية العادلة في كل الجهات،داعية جميع الأطراف للانخراط كل من موقعه لإنجاح هذا الاستحقاق الوطني الهام في كنف التنافس على قاعدة البرامج والأفكار خدمة للمواطنين والصالح العام.