ايام قليلة تفصلنا عن نهاية سنة 2017 ، سنة عرف فيها المشهد السياسي العديد من المتغيرات سواء على الصعيد الحزبي أو الحكومي و حتى على مستوى تموقع الاحزاب في اللوحة السياسية ذاتها ، اذ تشي المستجدات بتحولات كبيرة على صعيد الخارطة الحزبية بتحالفاتها المرتقبة استعدادا للانتخابات البلدية ، فيما يؤكد مراقبون ان الاحزاب في تونس تستند في تنقلاتها على الحسابات الضيقة و على نعرات قياداتها ، هذا التشخيص برز بالتحديد بعد أن اعلن حزب "آفاق تونس" انسحابه من الحكومة الحالية، ليلتحق بذلك بالحزب الجمهوري الذي كان قد انسحب من الحكومة في نوفمبر الماضي. و لم يعرف المشهد السياسي في تونس منذ اندلاع الثورة التي اطاحت بالنظام السابق استقرارا، ما جعل الخبراء و العديد من الفاعلين السياسيين يحذرون من فشل الأحزاب الفاعلة في ادارة الشأن العام ، ما خلق حالة من الفراغ المهدد لمسار االانتقال الديمقراطي برمته . و يشير مراقبون و متابعون للشأن العام ، ان انسحاب افاق تونس و الجمهوري من الحكومة لم يمسّ من تركيبتها بقدر ما سيتسبب في اضعاف وتآكل حزامها السياسي ، الذي لم يبق فيه إلا ثلاث أحزاب وهي النهضة والنداء والمسار ، احزاب معرضّة هي الاخرى للتشتت في ظل التقلبات التي برزت مؤخرا بين النهضة و النداء (بعد نتائج انتخابات ألمانيا) و في ظل التصريحات الاخيرة للقيادي بحزب المسار جنيدي عبد الجواد ، الذي قال ان الخروج من الحكومة أصبح مطروحا منتقدا تحالف النهضة والنداء . من جهة ثانية ، يؤكد خبراء و مختصون أن تحقيق الاستقرار السياسي المنشود لا يمكن تجسيده ، الا بفرض المؤسسات الديمقراطية، واحترام السيادة الوطنية ، والعمل على تلبية مطالب عموم التونسيين . و اعتبر أستاذ التاريخ والمحلل السياسي عبد الجليل بوقرة ، من جانبه ، أن كبتا انفجر دفعة واحدة ، بعد 14 جانفي 2011، في مجتمع، لم ينضج وعيه المدني وبقي قريبا من الوعي القبلي والعروشي والجهوي ، فشهدت الساحة تكوين عدد كبير من الأحزاب دون أن تكون لها أي قاعدة اجتماعية . وفسر بوقرة في تصريح اعلامي ، بأن نفس هذه الظاهرة عاشتها أغلب البلدان التي تخلصت من الأنظمة الاستبدادية والتسلطية، فتناسخت في تونس المبادرات وطغت الحسابات الشخصية والرغبة في البروز وكذلك عقلية الغنيمة، لكن شيئا فشيئا لم تبق سوى الأحزاب التي لها قاعدة اجتماعية والمعبّرة عن مصالح طبقة أو طبقات اجتماعية. وقال بوقرة، ان المشهد ينزع الى الانحسار، ولن يستقر على الصورة النمطية التي يميل اليها الأغلبية، التي تلخصها ، في أربع حركات أساسية، هي التيار الاسلامي والتيار القومي العروبي والتيار اليساري والتيار الدستوري. ويرى بوقرة أن المشهد سيتطور ، للقطبية، فيتم اختصاره بين، حركة سياسية ليبرالية (وقد تنقسم بدورها إلى ليبرالية محافظة وليبرالية حداثية) وحركة سياسية يسارية (قد تنقسم بدورها إلى حركة يسارية راديكالية وحركة يسارية معتدلة)، مبينا ان ذلك سيتحقق بعد قطع خطوات كبيرة في طريق الوضوح والتشكل النهائي للتعبير عن تنوع اجتماعي حقيقي.