من أشدّ المعضلات وطأة على اقتصاد البلاد اليوم ، نجد آفة التهريب التي استفحلت في الست سنوات الاخيرة و مدّت جذورها لتنتشر على نطاق كافة المناطق الحدودية ، البرية و البحرية على حدّ السواء .. و لئن اقتصر التهريب سابقا على مختلف البضائع الاستهلاكيّة كالمواد الغذائيّة والأجهزة الالكترونيّة والبنزين .. ، فإنه اليوم ، و في ظل عدم الاستقرار الأمني و الاجتماعي، توسع ليشمل الأسلحة والأفراد و المحركات و الايمنيوم و المخدرات … و تحولت المسألة من مجرّد متنفّس لتخفيف وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة لأهالي المناطق الحدوديّة إلى اقتصاد موازي يهدّد بشكل حقيقيّ الاقتصاد الوطني بما يسبّبه من نزيف جبائيّ وخطر أمنيّ يهدّد استقرار البلاد بأسرها .. و باتت ظاهرة التهريب تشكل تحديا كبيرا أمام الدولة التي بدت عاجزة حتى الآن عن إيجاد حلول عملية لها. وفي خضمّ هذا الشأن، اقترحت رئيسة منظمة الأعراف وداد بوشماوي إنشاء مناطق حرة على طول الولايات الحدودية مع الجزائر كحل مبدئي من أجل التقليص من التجارة الموزاية بين البلدين. و نوهت ، في السايق ذاته، بالإمكانيات الفلاحية الهامة لولاية قفصة ، سيّما لقربها من الحدود الجزائرية، التي تمكنها من التحول إلى قطب صناعي مختص في الصناعات الغذائية التحويلية والتي يمكن تصديرها للسوق الجزائرية أو أسواق خارجية أخرى. وكان نائب رئيسة منظمة الأعراف هشام اللومي دعا مؤخرا إلى إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الوطني «حتى يكون رافدا للموارد الجبائية للدولة»، داعيا إلى إدراج هذا الهدف ضمن أولويات البرنامج الاقتصادي للحكومة في الفترة المقبلة. وفي ذات الصدد، اعتبر عدد من الخبراء الاقتصاديين أن الاقتصاد الموازي الذي يعتمد أساسا على التهريب يشكل أكثر من خمسين في المئة من اقتصاد البلاد، مشيرين إلى أن حجمه تتضاعف خلال السنوات الأخيرة نتيجة الفوضى والتردي الاقتصادي في البلاد. جدير بالإشارة أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد يقود حملة مستمرة على رموز الفساد وكبار المهربين في البلاد، حيث تمت مداهمة مخازن المهربين ومصادرة محتوياتها في مناطق عدة في البلاد، وتشديد الإجراءات الأمنية على الحدود مع ليبيا والجزائر لمنع عمليات التهريب والأنشطة المتطرفة. و تعمل السلطات جاهدة للحد من هذه الظاهرة ، عبر شن حملة تشمل تعقب المهربين، فضلا عن تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود، حيث تنشط عمليات التهريب. وتكشف ، في هذا الصدد، بيانات حديثة عن تطور التهريب واعتماد عدد كبير من التونسيين على شراء السلع المهربة ناهزت نسبتهم ال77.6 في المئة من التونسيين وفق دراسة حديثة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية. كما تؤكد الدراسة أن التجارة الموازية بتونس تساهم بنسبة تتراوح ما بين 15 إلى 20 في المئة من الناتج الداخلي الخام وتشغل نحو 31 في المئة من اليد العاملة غير الفلاحية. وقدمت الدراسة جملة من الأرقام المتعلقة بالتجارة الموازية، خصوصا التي تجري بالحدود الشرقية مع ليبيا. فقد حجزت السلطات التونسية بالمنطقة العسكرية العازلة في الجنوب، في عام 2016 فقط، نحو 721 عربة، تضم سيارات وشاحنات، كما ضبطت 1055 شخصا، وحجز حوالي 23 قطعة سلاح. وتشير الأرقام ذاتها إلى أنه تم حجز أكثر من مليون و8 آلاف لتر من المحروقات المهربة وأزيد من 13 ألف قارورة كحول وعدد كبير من المواد الغذائية وغيرها من السلع. وفي خضم هذا الشأن، ، اعتبر رئيس مركز البحوث الاقتصادية والخبير الاقتصادي، رضا الشكندالي، إن ظاهرة التهريب تنتعش في ظل اختلال الأسعار بين دولة وأخرى بسبب عدم تكافؤ المعايير الضريبية. وتابع الشكندالي في السياق ذاته ان "انخفاض التعريف الجمركي في ليبيا ينتج عنه انخفاض مماثل لأسعار السلع، الأمر الذي يغري المهربين بنقل تلك البضائع منخفضة الثمن إلى تونس حيث يمكن ترويجها بسهولة وتحقيق أرباح مالية طائلة". ويشير رئيس مركز الدراسات الاقتصادية إلى أن "الغياب شبه التام لأجهزة الدولة في ليبيا، سرّع من وتيرة التهريب نحو تونس، إذ تؤكد تقارير استفادة مجموعات وأذرع نافذة من تهريب السلع إلى تونس، مستفيدين في ذلك من الحدود الشاسعة التي تربط البلدين".