بعد سنة طويلة من المد و الجزر تمكن القضاء التونسي من تحقيق مكاسب جمة ، حيث تجاوبت حكومة يوسف الشاهد أخيرا مع مطالب العائلة القضائية التي ما فتئت تذكر الحكومة بالنقائص المادية و اللوجستية و البشرية التي تعاني منها ، محذرة في الآن ذاته من تبعات هذه النقائص على عملها و على دورها في مكافحة الفساد و النظر في الملفات ، هذه المطالب "المشروعة" لاقت أخيرا رجع صدى و تلخصت بالتحديد في تحسين الوضع المادي للقضاة من خلال الترفيع في مرتباتهم و تركيز الدوائر الجهوية للمحكمة الادارية فضلا عن تركيز القطب القضائي المالي. و في سؤالها عن أهم ما تحقق للقضاء في 2017 ، اكدت رئيسة جمعية القضاة التونسيين روضة القرافي ، ان ما تحقق تعلق بتحسين الوضع المادّي للقضاة من خلال ما تم اقراره من الترفيع في مرتباتهم بعنوان منحة القضاء للأصناف الثلاثة العدلي والإداري والمالي . وأضافت في ذات السياق أنه تم أيضا تمكين صنف القضاة الملحقين بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والقطب الإقتصادي والمالي من منحة خصوصية لم يتم بعد نشر الأمر المتعلق بها مشيرة أن ما تحقّق أيضا للقضاء هو عملية الإنتدابات الجديدة التي تمّت في الأصناف الثلاثة العدلي والإداري والمالي معتبرة أن ذلك سيساعد على التخفيف من مشكل ضغط الأحجام الكبيرة للعمل بها. كما تم أيضا الترفيع في ميزانية تعاونية القضاة التي تعنى أساسا بالتغطية الصحية للقضاة حيث بلغت هذه الميزانية بعد الترفيع فيها ب 500 الف دينار مليون دينار. وأشارت القرافي أنه تم أيضا تركيز الدّوائر الجهويّة للمحكمة الإداريّة تثبيتا لخيار لامركزيّة القضاء الإداري للمتقاضين التونسيّين وضمانا لشفافيّة الانتخابات البلديّة ونزاهتها من أيّة خروقات على اعتبار أنها استحقاقات قريبة جدّا. وتركيز أيضا مقر جديد لمحكمة المحاسبات يليق بموقعها كمؤسّسة قضائيّة دستورية . وأشارت نفس المصدر أنه بخصوص مقرات المحاكم سواء الإدارية أو العدلية أو المالية فإن لدى الجمعية في الفترة القادمة تصور كامل ستعمل على تحقيقه للإرتقاء بمقرات مؤسسات القضاء كمؤسسات سيادية. ومن الأشياء الأخرى التي تحققت للقضاة تركيز القطب القضائي المالي، المطالب اليوم وفق قولها بعد تمكينه من أدواة وظروف العمل سواء التشريعية أو الماديّة المعقولة بتحقيق نتائج ملموسة على مستوى مكافحة الفساد لحماية سلامة الإنتقال الدّيمقراطي . واعتبرت القرافي أن ما تحقّق في الجانب المادّي للقضاة كان بفضل تحرّكاتهم التي كانت قويّة ومشهودة على الساحة العامّة في إطار جمعيّة القضاة التونسيّين وهياكلها من مكتب تنفيذي ومجلس بكل من المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات ومجالس وطنية . وقالت القرافي أيضا أن ما يعتبر قد تحقّق جزئيا في الجانب المادّي تبنّي وزارة العدل تصوّر جمعيّة القضاة في إحداث صندوق لجودة العدالة تخصّص مداخيله بصفة قارة للنّهوض بظروف العمل بالمحاكم وبالمؤسسات القضائيّة وهو تصوّر لا يزال العمل جار عليه ستعمل الجمعية على تحقيقه في السنة القادمة بعد تحديد آليات تمويل هذا الصندوق التي اقترحت الجمعية أن تكون جزء من مداخيله من الخطايا المقضي بها بموجب الأحكام. أما على مستوى تركيز المؤسسات الدستورية القضائية فقد اعتبرت رئيسة الجمعية أنه ولئن كان أهم حدث لسنة 2017 هو تركيز المجلس الأعلى للقضاء الذي كان من المأمول أن تكون حصيلة آدائه وخاصة مجلس القضاء العدلي من أهم ما يمكن أن نذكره في خاتمة هذه السنة ولكن ما شاب مسار تركيز المجلس من خروقات دستورية هو الذي مثل حجرة عثرة امام المجلس الاعلى للقضاء. و عبرت القرافي عن احترازاتها من الإنعكاس السلبي لتلك الخروقات على آدائه وخاصة في علاقة بعدم استقلالية التسميات التي تمت صلب مجلس القضاء العدلي وتجاوز مقترحات التسميات لهيئة القضاء العدلي "تجعلنا اليوم نسجل نتيجة لآداء هذا المجلس العدلي أقل ما يقال فيها أنها نتيجة سلبية ومخيبة للآمال ولا تندرج ضمن أي رؤية للإصلاح القضائي وتأسيس لقضاء مستقل" . وقد ثبت ذلك وفق تصريحها من خلال إقرار الحركة القضائية للسنة القضائية 2018/2017 التي تسببت في أزمة غير مسبوقة لعدم التوازن البيّن في توزيع القضاة عبر المحاكم ولما تم من إسناد المسؤوليّات القضائيّة خارج معايير الكفاءة والنزاهة والحياديّة وطبقا لمعايير الولاء والمحاباة مضيفة أن الجمعية سجلت باستغراب كبير غياب المجلس الأعلى للقضاء من القضايا التي أثارت جدلا عموميا كبيرا وخاصة منها فيما عرف بقضية "التآمر على امن الدولة" وما رافقتها من تصريحات اعلامية خطيرة لفاعلين سياسيين "من أن هناك تدخلا في سير القضاء والضغط على القضاة وفرض قضاء على المقاس من خلال رفع يد دوائر متعهدة بقضايا وتوجيهها الى دوائر بعينها". والحال أن المجلس الأعلى للقضاء هو المسؤول على حسن سير القضاء واحترام استقلاليته طبقا الدستور ولا يمكن أن يغيب المجلس الأعلى للقضاء عن مثل هذه الأحداث أو يقف موقفا سلبيا منها حماية لإستقلالية ونزاهة وسمعة القضاء والقضاة والثقة العامة فيهما.