تونس كانت استثناء وبقيت كذلك بفضل ارتفاع منسوب الوعي السياسي لدى الشعب و النخب التي تابعت الأحداث الدائرة في بقية بلدان الربيع العربي ورأت انزلاق بعضها في أتون التجاذب الحاد والفوضى وهو ما جعلهم أكثر حرصا على النجاح و أقل ذهابا في المغامرات غير المحسوبة كغيرها من بلدان الربيع العربي ليبقى الاستثناء تونسيا حد هذه اللحظة. ويشير علم الاجتماع الى ان هناك مجتمعات متجانسة يصعب تفكيكها وفي العالم العربي يقف على رأس هؤلاء المجتمع التونسي وهو تحدثت عنه كتب وداسات، فيما يرى مراقبون أن التونسيين متفقون على نبذ العنف ومواصلة المضي في المسار التوافقي الذي جنب البلاد الوقوع في الاحتراب الأهلي والنجاح في الخروج من الأزمة السياسية وكتابة دستور جديد وتكريس التداول السلمي على السلطة بتعاقب الحكومات. وتكشف بعض الاحداث العرضية والتحركات الفوضوية التي تحرّض عليها أحزاب سياسية، درجة وعي المجتمع التونسي وشعبه ونضجه، ويكشف أيضا أن الشعب تجاوز الطبقة السياسية بخطوات كبيرة. أثبتت ذلك الأحداث الفوضوية التي تعيشها تونس خلال اليومين الماضيين، والتحركات الليلية التي خلّفت أعمالا تخريبية، ورافقتها عمليات سرقة ونهب لعدد من المؤسسات الخاصة والعمومية. هذا وقام عدد من المواطنين في منطقتي باب الخضراء والزهروني بالعاصمة الليلة البارحة بالقبض على عدد من المشاركين في أعمال النهب والتخريب وتسليمهم الى الأمن لاتخاذ الاجراءات اللازمة في حقهم، فيما بادر أهالي عدة مناطق بحراسة المنشات العمومية، تحسبا لعمليات سرقة قد تشهدها بسبب التحركات الليلية لعدد من المنحرفين فقد أظهر نفس درجة الوعي خلال الثورة وبعدها، ووصفه كتّاب بانه شعب متعلم وواع، لم يستطع من أتوا بعد ثورته أن يغيبوا وعيه عن طريق الإعلام, ولم يستطيعوا أن يصدّروا للشعب فكرة المؤامرة والخونة والعملاء. كما تحدث عنه رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كمال الجندوبي خلال الانتخابات التشريعية سنة 2013، حيث أكد أن الشعب التونسي أظهر درجة عالية من الوعي خلال الانتخابات، رغم أنها تعد تجربته الأولى مع الممارسة الديمقراطية، معتبرا أن ما سجلته هذه العملية من نجاح كان نتاجا للتعاون المشترك بين جميع مكونات المجتمع المدني. كما بدا التونسيون في الذكرى السابعة للثورة أكثر تعقلا وهدوء وموضوعية في تقييم مسار الثورة رغم الصعوبات والمشكلات، ورغم عدم تحقيق اختراق حقيقي وملموس في الواقع الاجتماعي والتنموي. وتشهد تونس منذ أيام تحركات ليلية اتستعت رقعتها الاربعاء 10 جانفي 2018، لتمتدّ الى اغلب الولاياتالتونسية تقريبا، مع تجدد التجمعات والمواجهات مع القوات الامنية في طبربة خاصة وفي حي التضامن والانطلاقة ومعتمديات القصرين على غرار تالة وفريانة، ووجهت الاتهامات الى عدة جهات سياسية وأخرى تعود الى عصابات من اجل استغلال الوضع المتوتر. ووصل عدد الايقافات على خلفية هذه الاحتجاجات الى قرابة 240 موقوفا ، كما نتج عن ليلتين من المواجهات والكر والفر بين الامن والمحتجين اصابة 58 عونا وإطارا امنيا اصابات مختلفة الخطورة هذا فضلا عن تواصل محاولات اقتحام المقرات الامنية وحرقها وإتلاف محتوياتها الى جانب تعمد سرقة المستودعات البلدية والمحلات التجارية. ترافقت هذه التحركات بدعوات للاحتجاج من قبل حملة "فاش تستناو" والجبهة الشعبية بالخروج للشارع اليوم الجمعة ، فيما قرر رئيس الحكومة يوسف الشاهد زيارة عدد من المناطق المتضررة منها طبربة التى عرفت الاحتجاجات واحداث العنف فيها اوجها كما شهدت حالة وفاة خلال الليلة الاولى من المواجهات . وحمل تفاعل الطيف السياسي مع الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها البلاد وما رافقها من أعمال نهب وعنف، اتهامات متبادلة ومطالبات بالحوار، وكشف الأطراف الدافعة نحو العنف ودعوات للحكومة للتفاعل الآني.