أكثر من أسبوع مرّ على انطلاق التحركات الاحتجاجية ضد الزيادات الواردة في قانون المالية لسنة 2018 ، وقد تباينت ردود فعل الأحزاب السياسية حول هذه الاحتجاجات المتواصلة ، فبينما أكد بعضهم أن الغاية من هذه الاحتجاجات هو "إسقاط" المنظومة الحاكمة والدعوة لحوار وطني جديد لإنهاء المرحلة الانتقالية في البلاد، متهما السلطات بانتهاك سياسات النظام السابق لتشويه الاحتجاجات وتحويلها ل"انتقاضة مخربين"، اتهم آخرون المعارضة باستخدام وسائل غير ديمقراطية لتغيير الوضع السياسي في البلاد، فيما دعت أطراف أخرى كلا من المعارضة والحكومة إلى التهدئة والقبول بتعديل قانون المالية والابتعاد عن استخدام العنف في التظاهرات السلمية. ولئن كان الدافع الرئيسي من الاحتجاجات هو التنديد بالزيادات الواردة في قانون المالية والتي تثقل كاهل المواطن، بيد أن الشعارات التي رفعت في التحركات لاحتجاجية المنتظمة أغلبها ليلا، كان محتواها منائيا تماما للمطلبية الشعبية وجاءت في أغلبها مناهضة للنظام والحكم، على غرار شعارات تدعو إلى اسقاط الحكومة ، وإبعاد النهضة من سلط القرار ومن الصورة ككل، مما يوحي بأن أطرافا سياسية استغلت غضب المواطنين لتركب على الأحداث و تطوّع الاحتجاجات لخدمة مصالحها الحزبية الخاصة ، سيما في هذا الظرف الحساس المتزامن مع اقتراب تاريخ إجراء الانتخابات البلدية في 6 ماي القادم. وقد دخلت الاحتجاجات مرحلة جديدة في إثر قيام مجهولين بحرق عدد من مؤسسات الدولة ومحلات تجارية ، والاعتداء على المواطنين في الشوارع وفي وسائل النقل وسلبهم أموالهم وهواتفهم ، فضلا عن محاولة إحراق كنيس يهودي، وهو ما قوبل بموجة استنكار واسعة في البلاد، وتبادل للاتهامات بين الائتلاف الحاكم والمعارضة حول المسؤولية عن ذلك. وكانت صفحات اجتماعية تداولت "وثيقة داخلية" خاصة بالجبهة الشعبية تحرض على العنف خلال الاحتجاجات الحالية، وهو ما فندته مصادر من الجبهة معتبرة أن هذه الوثيقة مزورة من قبل بعض الصفحات ‘المأجورة'بهدف تشويه صورتها. بيد أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، تعقيبا على أحداث الشغب والتخريب الحاصلة في عدد من المناطق، وجّه أصابع الاتهام بشكل مباشرة وعلني إلى الجبهة الشعبية بالتحريض على الفوضى والعنف، معتبراً موقفها من قانون المالية لعام 2018 غير مسؤول، وهو ما أثار حفيظة الجبهاويين وغضبهم. و أكّد رئيس الحكومة في هذا الصدد أن: "الدولة صامدة و قوية وستكشف عن كل من حرّض وخرّب، وإنه تم فتح تحقيق ضد من حرّضوا على الفوضى والعنف وسيتم كشفهم للرأي العام خلال الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها عدة مناطق من الجمهورية". ولفت إلى أن "المخربين يخدمون مصالح شبكات فساد وشبكات التهريب ويخدمون أيضاً عدة أطراف سياسية، من بينها الجبهة الشعبية التي تقوم بالتحريض". وتابع القول «هؤلاء لا يعملون لمصلحة تونس، وإنما لشبكات الفساد والفاسدين الذين أوقفناهم ويريدون إخراجهم عبر الفوضى، ويعملون لحساب شبكات التهريب التي تلقت ضربات من الدولة». وتتهم الحكومة شبكات تدين بالولاء إلى رجال أعمال موقوفين، بالتحريض على إثارة البلبلة في الشارع واستغلال الاحتجاجات الاجتماعية ضد الغلاء والإجراءات التي تضمنها قانون المالية لعام 2018. وأضاف يوسف الشاهد في ذات الصدد إن "موقف الجبهة الشعبية غير مسؤول، حيث إن نواب كتلتها يصوتون لصالح قانون المالية ويتظاهرون ضده". وبيّن أنه "يحترم الاحتجاجات والمسيرات السلمية ضد غلاء المعيشة"، مشيراً إلى "ضرورة التمييز بين الشباب المحتج الذي يعاني من مشاكل مفهومة، وبين المخربين الذين يقتنصون الفرص للنهب والسرقة والاعتداء على الممتلكات"، مضيفا "رسالتي إلى هؤلاء هو أن القرارات الصعبة التي اتخذتها الحكومة الهدف منها تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وأن نعيد لهم الثقة في البلد والمؤسسات". ومن جانبه، قال زبير الشهودي عضو مجلس شورى حركة النهضة: "كان متوقعا أن يكون ثمة ردود فعل غاضبة ضد قانون المالية الجديد، ولكن كان منتظرا بحكم وضع تونس الديمقراطي أن تكون الاحتجاجات منظمة وسلمية، برغم أننا نتفهم أن ثمة وضعا اقتصاديا حساسا في البلاد يتطلب مزيدا من التضحيات، لكن استغلال هذه الحالة الاجتماعية والمادية للتونسيين وتوظيف مآسي الناس من قبل الجبهة الشعبية هو أمر غير مقبول، ولو أن هذا الأمر ليس جديدا عليها". ويضيف الجبهة الشعبية لديها موقف حاد تجاه أغلب السياسيين التونسيين، وأعتقد أنها وضعت نفسها في موقع انتحار سياسي عبر التدخل بقضية تخص المواطن التونسي، بل إن تدخل الجبهة وأطراف يسارية في هذا الأمر أفسد على التونسيين إمكانية تغيير قانون المالية بما يخدم موازنة المواطن والدولة".