أكد الأستاذ راشد الغنوشي في حوار حصري لقناة ألمانية على هامش مشاركته في منتدى دافوس أن التوافق السياسي هو من أنقذ التجربة التونسية من مصير مماثل لمصير دول الربيع العربي، وتحدث في الحوار عن تعثر ملف العدالة الانتقالية في البلاد. كما تطرق في هذا الحوار إلى ظاهرة تصدر التونسيين، مقارنة بعدد سكان البلاد، عدد الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية، والدعم الأوروبي المطلوب للقضاء عليها اذ إن الحرب على الإرهاب تقتضي الحرب على سبب أساسي من أسبابه وهو ضعف التنمية، مطالبا الديمقراطيات الغربية بتقديم دعم أكثر لتونس وتشجيع الديمقراطية فيها. العلاقة مع نداء تونس وقال الغنوشي أن العلاقة مع "نداء تونس" علاقة مهمة، لأنها صنعت استقراراً في البلاد وصنعت سياسة التوافق التي أنقذت التجربة التونسية من مصير مماثل لمصير دول الربيع العربي. لذلك في تقديرنا فإن الإبقاء على هذه العلاقة فيه مصلحة. وعلاقتنا مع نداء تونس عادية، بل جيدة. وتقديرنا أن هذه العلاقة ستستمر، ففيها مصلحة للطرفين ومصلحة لتونس. وإذا أردنا التبسيط، يمكن القول إن هذه العلاقة تشبه تلك العلاقة بين الحزبين الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي في ألمانيا. مستقبل التوافق وأضاف أن التوافق لا يقتصر على نداء تونس والنهضة، وهما الحزبان الكبيران، وإنما يشمل أحزاباً أخرى، أحزاباً أصغر، بعضها خرج من التوافق وبعضها لايزال فيه. وكذلك يشمل عدداً من المنظمات الاجتماعية، كمركز الإتحاد العام التونسي للشغل واتحاد التجارة والصناعة واتحاد الفلاحين والاتحاد النسائي. لذلك فإن نظام الحكم في تونس يقوم على أرضية صلبة، أرضية سياسية واجتماعية العدالة الانتقالية وحول مؤسسة العدالة الانتقالية قال: هي مؤسسة مهمة باعتبارها استحقاقاً من استحقاقات الثورة ومعالجة لمظالم الماضي، دون اللجوء إلى العنف وإنما استقصاء الحقائق حول ما جرى من مظالم والتعويض للضحايا. واليوم رغم الصعوبات تواصل هذه المؤسسة عملها في جمع الحقائق حول الماضي والاستماع للضحايا على أمل تنظيف جروح الماضي والانطلاق إلى المستقبل متخففين من أثقال الماضي. وأضاف، الماضي مثقل بالحوادث والجرائم والمدة طويلة. فنحن نتحدث عن تاريخ يزيد عن نصف قرن. فتصفية وكشف ملفات الماضي ليست بالأمر اليسير. ولا أدري هل استغرق لديكم في ألمانيا أيضاً وقت أطول للكشف عن الجرائم التي حدثت قبل سقوط جدار برلين. فنحن نتحدث عن نصف قرن. البديل عن الارهاب هو الديمقراطية وقال الغنوشي في الحوار أن التحاق شباب تونسي بمواقع القتال في سوريا وليبيا وقبلها في أفغانستان، ليست ظاهرة من منتوج الثورة، وإنما هي منتوج العهد الديكتاتوري. فنظام بن علي، كنظام القذافي وكنظام مبارك ونظام الأسد، أنتجوا الإرهاب، لذلك في تقديرنا أن ما يحصل في تونس الآن هو البديل عن الإرهاب. فهؤلاء الشباب ليسوا نتاج ست سنوات من الثورة، وإنما هم منتوج العهد القديم. تونس الثورة لا يمكنها أن تربي إرهابيين، فهؤلاء بقايا العهد القديم. واضاف ان التوجه الديمقراطي في تونس لا ينتج الإرهاب. ملاحظا انه لا يزال هناك تهميش، لذلك فإن هؤلاء الشباب يتواجدون في المناطق الأقل نمواً. وهذا أيضاً من مخلفات الديكتاتورية التي قسمت البلاد إلى قسم نامي وقسم لم يصل إلى مرحلة النمو. لذلك في تقديرينا، فإن تنمية تونس ونشر التنمية الجهوية لن يترك مجالاً لنشوء هذه الظاهرة. الاحتجاجات والتنمية وحول تحقيق اهداف الثورة الاجتماعية قال ان المشكل هو أن الثورة نجحت في إقامة مؤسسات ديمقراطية، لكنها لم تنجح حتى الآن في تحقيق الهدف الآخر من الثورة وهو العدالة الاجتماعية وتحقيق التنمية الجهوية، وتحقيق حياة لائقة بالبشر، لذلك مازال الشباب في تونس يحتجون، لأنهم بعد ست سنوات من الثورة لم يروا أن حياتهم الاجتماعية قد تغيرت. وأضاف الغنوشي; لدينا برنامجا لتنمية البلاد، ينطلق من إصلاح النظام الاقتصادي. فكما احتاج النظام السياسي لإصلاحات، يحتاج النظام الاقتصادي أيضاً لإصلاحات كبيرة، حتى نتمكن من تفعيل اقتصادنا، ونكون بيئة ملائمة لاستقبال الاستثمار وتشجيعه. من جهة أخرى قال الغنوشي: نحن نريد دعماً من الديمقراطيات الغربية، لأن هذه الديمقراطيات تحارب معنا الإرهاب. والحرب على الإرهاب تقتضي الحرب على سبب أساسي من أسبابه وهو ضعف التنمية والفقر. نحن نقدر عالياً ما تقوم به ألمانيا تجاه تونس بعد الثورة من دعم لمشاريع التنمية. ونأمل في أن يكون ذلك بشكل أشمل. وقال: الحرب على الإرهاب لا يمكن أن تتم بالسلاح فقط، وإنما بالاستثمار في الديمقراطية في العالم العربي وتشجيع القوى الديمقراطية بدل تشجيع الديكتاتوريات. وأضاف: عند سقوط جدار برلين انتقلت أوروبا الديمقراطية بقيادة ألمانيا إلى تنمية أوروبا الشرقية، وبالتالي نشأ الاتحاد الأوروبي، تونس تحتاج إلى شيء من هذا النوع، فهي تحتاج إلى ما يشبه مشروع مارشال. كما أضاف قائلا؛ نحن نطمح لعالم يسوده السلام، وتسوده العدالة بين الشعوب وبين الأمم، وتسوده الديمقراطية، لذلك نسعى إلى علاقات تبادل نافع بيننا وبين كل الدول، فنحن نريد تشجيع السلم في منطقتنا والعالم، والتعاون في محاربة الإرهاب وتشجيع التنمية والتبادل الحر. ولا نريد أي مشاكل مع كل الدول. وكل من هو مستعد للتعاون معنا، فنحن نرحب بذلك. وعن سبب مجيئه للمشاركة في منتدى دافوس قال: جئنا حتى نجري مثل هذا اللقاء، وحتى نتعرف على ما يجري في العالم. فهذا المنتدى يجمع اقتصاديين وسياسيين ومفكرين وإعلاميين. ونحن استفدنا من وجودنا هنا بلقاء إعلاميين من كل الجنسيات، كذلك اللقاء مع رؤساء شركات وبنوك وسياسيين، منهم أيضاً من أتى من العالم العربي والإسلامي. فهذا المنتدى هو نادي للتعارف، وهو مهم جداً. (تونس الآن)