من أجل مناورات سريعة التحوّل والتقلّب يغلب عليها ما يغلب على المشهد الحزبي عموما من أمراض الهشاشة المؤسساتية والشخصنة والمزاجية، تكاد المقاربات السياسية الجدية تغيب وتذوب صلب مواقف الاحزاب غير الثابتة التي لا تعبر عن أفكارها وبرامجها، بقدر ما هي محكومة بنزوات ظرفية وعلاقات ذاتية. ويعبر المشهد السياسي المتحرك الذي تعيش على وقعه تونس في الأشهر الأخيرة، عن تخوفات كبيرة من نتائج الانتخابات المقبلة أدخل الأحزاب في هيستيريا من التنقلات السريعة بين التحالفات والجبهات، وأثرت مشاكلها الداخلية وأوضاعها غير المستقرة على الوضع السياسي العام، يظهر من خلال الاستقالات التي تعيشها أغلبها ومن خلال علاقاتها في ما بينها المبنية على أساس معطيات مرحلية تحكمها مصالح حزبية. في هذا الشأن، أكد الإعلامي والمحلل السياسي هشام الحاجي في تعليق ل"الشاهد"، أن الشأن السياسي التونسي يعيش على وقع تقلب سريع في التحالفات وأحيانا تفاعلا مزاجيا وانفعاليا مع المستجدات. ويرى أن هذا التقلب يعود الى تظافر عدة عوامل في مقدمتها، الوضع السياسي غير المستقر الذي يمر بحالة من إعادة التشكل، وهو ما يفقده بعض المرجعيات الضرورية للاستمرارية. واعتبر محدث "الشاهد"، أننا لا نمتلك أحزابا تشتغل بطريقة مؤسساتية، يتمحور أغلبها حول الزعامات والأشخاص، وتغيب عنها الرؤى والبرامج، مضيفا أن السياسة في كل أنحاء العالم تترك مكانها حاليا للاتصال وبالتالي للشكل والمظهر على حساب المضمون والمحتوى. وأشار الحاجي إلى أن رجل السياسة بات اليوم يهتم بالظهور وبعلامات الاعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من المضمون، وهو ما يدخل السياسة في منطق جديد له سلبياته في كل أنحاء العالم، لافتا الى ان عمق التحولات تحمل تأثيرات سلبية عديدة على الفعل السياسي. ويبدو النفاق السياسي، أهم الصفات التي غلبت على مواقف الاحزاب السياسية، كما تحدث عن ذلك المحللون السياسيون الذين أكدوا انه خلق مناخا من انعدام الثقة لدى عامة الشعب التونسي، خاصة مع ما تشهده الساحة من سياحة حزبية وسياسية على حد السواء، وتنقل مستمر للاحزاب وقياداتها بين المواقع والاحزاب نفسها. من جهة أخرى يعتبر مراقبون المناورات السياسية التي تزخر بها الساحة السياسية التونسية في الاشهر القليلة التي تسبق الاستحقاق البلدي، تقود القوى الديمقراطية الاخرى الى حالة من الارتباك ويمتص أي فرصة لبروز مشهد سياسي متوازن حتى أنه بات يهدد تعددية الخارطة الجيوسياسية، وأن هناك تحالفات قد تحالفات اخرى. ووصفها الجامعي والباحث، عميرة الصغير، في تصريحه لل"شاهد"، مجرد إعادة تجميع مجموعات فاقدة للمصداقية تتنقل من تحالف الى اخر ومن مجموعة الى أخرى، وليس فتحا لفضاء سياسي فعلي أو فتحا للأمل بالنسبة للبلاد والمجتمع. ولفت الى أن الوضع التونسي الحالي يتطلب تكتل حساسيات وأحزاب مستقلة تؤمن بفكرة إنقاذ الوطن من الازمة الاقتصادية والاجتماعية والامنية وحتى السياسية التي تعيشها تونس الان. في المقابل، يشير ناشطون إلى أن هذه التحالفات ايجابية بالنظر الى عدد الاحزاب في تونس التي ناهزت ال211 حزبا، وأنه كان متوقعا إما أن تندمج أو ان تدخل في تحالفات سياسية، وان هذه التحالفات ستؤثر سلبا على الأحزاب التي اختارت أن تنشط "فرادى" في تونس، نظرا لانها ستوسع قاعدتها الشعبية بتجميع أكثر من حزب في تحالف واحد.