يامنة سالمي/ الأناضول يبدأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء، زيارة رسمية لتونس، تستمر يومين، هي الأولى له منذ توليه الرئاسة في 14 ماي 2017، ومن المنتظر أن تتوج بمنتدى اقتصادي مشترك واتفاقات أمنية. غير أن هذه الزيارة ليست الأولى لرئيس فرنسي لتونس، بعد الثورة الشعبية، التي أطاحت بالرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي (1987-2011)، في 14جانفي 2011. فقد سبقتها زيارات لمسؤولين فرنسيين، أهمها ثلاث زيارات رسمية للرئيس الفرنسي السابق، فرنسوا هولاند (2012-2017)، ورئيس الوزراء الفرنسي السابق، مانوال فالس، الذي شارك في "مؤتمر الاستثمار تونس 2020″، أواخر عام 2016. وأخيرا زيارة رئيس الوزراء الفرنسي الحالي، إدوارد فيليب، لتونس، في أكتوبر 2017، حيث شارك في الاجتماع الأوّل للمجلس الأعلى للتعاون التونسي- الفرنسي. ورغم أن العلاقات بين البلدين اتسمت بالفتور إبان الثورة التونسية، خلال حكم الرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي (2007-2012)، إلا أنها عرفت تحولات في عهدي الرئيسين الفرنسيين السابق، هولاند، والحالي ماكرون. * باريس و"بن علي" لطالما اعتبر النظام الفرنسي الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، حليفه الاستراتيجي طيلة 23 سنة في الحكم. وأبدت فرنسا في عهد ساركوزي موالاة تامة لنظام بن علي، إثر الثورة التي اندلعت ضده، في 17 ديسمبر 2010، وهو ما أدى إلى فتور في العلاقة بين البلدين إبان الثورة. ففي 12جانفي 2011، دعت وزيرة الخارجية الفرنسية، ميشل آليو-ماري، الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) إلى إرسال قوات فرنسية لنقل خبرتها عمليا إلى القوات التونسية للسيطرة على الوضع، بعد اندلاع الثورة الشعبية. هذا الفتور في العلاقات التونسية- الفرنسية تواصل عقب الثورة إلى أن اعترف الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، بأن فرنسا لم تكن مع تونس في ثورتها، متعهدا بالوقوف إلى جانبها حتى إنجاح الثورة. ** 3 زيارات لهولاند – 5 يوليو/ تموز 2013: زار هولاند تونس في عهد "الترويكا"، وهو ائتلاف حكومي بين حركة النّهضة وحزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل من أجل العمل والحريات". وكانت هذه أول زيارة لرئيس فرنسي لتونس عقب الثورة، واتخذت العلاقات الثنائية منعطفا آخر، لاسيما وأن هولاند اعترف بأن فرنسا لم تكن مع تونس في ثورتها، وتعهد بدعم البلد العربي حتى إنجاح ثورته. – 7 فيفري2014: زار هولاند تونس للمشاركة في الاحتفال مصادقة المجلس التأسيسي التونسي (البرلمان) على الدستور التونسي الجديد. وهولاند هو الرئيس الأوروبي الوحيد الذي حضر هذه الاحتفال. – 29 مارس 2015: شارك هولاند في مسيرة دولية ضد الإرهاب بالعاصمة التونسية، عقب هجوم إرهابي استهدف متحف باردو في تونس، وأسقط 24 قتيلا، بينهم 20 سائحا من جنسيات مختلفة، فضلا عن إصابة 46 آخرين بجروح. ** زيارات كازانوف – 20 مارس 2015: زار برنار كازانوف، بصفته وزيرا للداخلية الفرنسية حينها، تونس، في إطار دعم التعاون التونسي- الفرنسي في مجال مكافحة الإرهاب، عقب الهجوم الإرهابي على متحف باردو. – 6 و7 أفريل 2017: زار رئيس الوزراء الفرنسي، برنار كازانوف، تونس، برفقة وفد رفيع المستوى من بين أعضائه رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، كلود برتولون. والتقى كازانوف الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، وأجرى سلسلة لقاءات مع رئيس البرلمان التونسي، محمد الناصر، ورئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، حيث بحث أهم ملفات التعاون الثنائي مع توقيع عدد من الاتفاقيات. وشملت هذه الاتفاقيات المجالين الاقتصادي والأمني، ضمن تكريس المتابعة للوعود المقدمة خلال "مؤتمر الاستثمار تونس 2020″، الذي عقد في تونس العاصمة، يومي 29 و30 نوفمبر2016. ** زيارة الغنوشي لباريس – 21 جوان 2016: زار رئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، العاصمة الفرنسية باريس، لمدة يومين، برفقة وفد من الحركة. واستضافت رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الفرنسي، إيليزابيت قيقو، الغنوشي ووالوفد المرافق له للقاء أعضاء اللجنة. وألقى الغنوشي كلمة حول الانتقال الديمقراطي في تونس والتحديات التي تواجهها بلاده في تلك المرحلة، وشدد على عمق العلاقات التونسية- الفرنسية، وأهمية العمل على تقويتها على الأصعدة المختلفة. * تحويل ديون تونس – 29 و30 نوفمبر 2016: خلال مشاركته في "مؤتمر الاستثمار تونس 2020″، تعهّد رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، بأن الوكالة الفرنسية للتنمية (حكومية) ستضخ خلال السنوات القادمة 250 مليون يورو لصالح تونس سنويا. وأعلن فالس، في المؤتمر ذاته، عن تحويل جزء من الديون التونسية لدى فرنسا إلى تمويلات لمشاريع تنموية في تونس. وتبلغ ديون تونسلباريس حوالي 30 مليون يورو. ** اتفاقيات ب92.3 مليون يورو -5 أكتوبر 2017: شارك رئيس الوزراء الفرنسي، إدوارد فيليب، في التوقيع على اتفاقيات بقيمة 92.3 مليون يورو، في مجالات تحويل الديون التونسية لدى فرنسا إلى استثمارات، وذلك على هامش الاجتماع الأوّل للمجلس الأعلى للتعاون بين البلدين. وتتعلّق هذه الاتفاقيات بمجالات التنمية والمالية وتمويل البرامج الخاصة بإحياء الاستثمار وتمويل المشروعات الصغيرة، إلى جانب الشؤون الفلاحية والطاقات المتجدّدة والتعليم العالي والبحث العلمي. * الشريك الاقتصادي الأول فرنسا هي الشريك الإقتصادي والمستثمر الأكبر في تونس، وهي تحتضن أكبر جالية تونسية تبلغ حوالي 730 ألفا، وفي المقابل يقيم حوالي 30 ألف فرنسي في تونس، بحسب الخارجية التونسية. وترتكز في تونس قرابة 1400 شركة فرنسية، وتوفر قرابة 136 ألف فرصة عمل، لتعد بذلك أكبر مستثمر أجنبي في تونس، حيث وفرت احتياطيا إجماليا للاستثمارات الخارجية المباشرة بقيمة 1.4 مليار يورو عام 2016. ووفرت الاستثمارات الفرنسية، عام 2017، 365 مليون دينار تونسي (حوالي 150 مليون دولار) من حجم الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يمثل 30 % من إجمالي الاستثمارات في البلاد. وفرنسا أيضا فهي المُصدر الأول لتونس، وتمثل أكثر من 15 % من حجم السوق التونسي، فيما استقبلت 32% من الصادرات التونسية، عام 2016، ليحقق الميزان التجاري التونسي فائضا مع فرنسا بقيمة 930 مليون يورو. وتظل فرنسا أكثر بلد يتوافد منه سائحون لأجانب على تونس، رغم انخفاض وتيرة تدفقهم على البلد العربي، منذ عام 2011، إذ زار أكثر من 570 ألف سائح فرنسي تونس، عام 2017، بزيارة 46% مقارنة بعام 2016. وتطمح فرنسا إلى تعزيز استثماراتها بتونس في السنوات المقبلة، خاصة عبر إعطاء الأولوية للاستثمارات الموجهة إلى تنمية السوق الداخلية التونسية، على أساس اتفاقيات مع الشركاء المحليين، على غرار قطاعي السياحة والخدمات، بحسب السفارة الفرنسية في تونس. وتنظر فرنسا، وفق خبراء تونسيين، إلى تونس على أنها "امتداد طبيعي" لنفوذ استعماري قديم، حيث احتلت تونس بين عامي 1881-1956. ويدعو هؤلاء الخبراء السلطات التونسية إلى تحقيق استفادة قصوى من زيارة ماكرون، لكونها تأتي ضمن ديناميكية فرنسية جديدة، تستهدف إبرز دور باريس الذي تراجع في المنطقة، مع التمسك بحق تونس في تنويع علاقاتها الخارجية مع دول صاعدة، لا سيما في آسيا وأمريكا اللاتينة.