تونس تمر بوضع صعب على جميع المستويات"، خطاب تداول على تكراره أغلب الذين تناوبوا على الحكم ووزرائهم، وخبراء اقتصاد، والمنظمات الشغيلة في البلاد، وجميع السياسيين حتى أصبح وضعا معاشا، ولم تجرؤ الحكومات المتعاقبة على تغييره. وباتت مشاريع التنمية المعطلة تمثل عبئا حقيقيا على الدولة حيث تجد الوزارات مع إعداد كل ميزانية جديدة نفسها مجبرة على طلب مخصصات إضافية لمواصلة إنجاز المشاريع بفعل تأثير انزلاق سعر الدينار وارتفاع كلفة الإنشاء على المخصصات المبرمجة لهذه المشاريع منذ انطلاقتها. ورغم أن البعد التنموي في المناطق الداخلية والحدودية مثل بعد الثورة محور خطابات السياسيين والمحللين في كل المواقع والمناسبات، كما مثّل أيضا حجر الأساس في خطابات مرشحي الأحزاب في الانتخابات، إلا أن الاحصائيات الرسمية تؤكد وجود أكثر من 320 مشروع تنموي داخل الجهات بكلفة تفوق 1500 مليون دينار لا يزال معطلا. وتمثل مشاريع التنمية المعطلة المتعلقة بالطرقات والمنشآت ذات الطابع الخدمي من أبرز النقاط السوداء في سجل الحكومات المتعاقبة على تونس بسبب عجز المسؤولين عن إيجاد الحلول الكافية للإسراع في الإنجاز وتجنيب الميزانية العامة أعباء النفقات الإضافية. ويشير مختصون في الشان الاقتصادي إلى أن الإشكاليات المالية لا تمثل إلا 12% من الأسباب التي تحول دون استكمال المشاريع، فيما تحتل العقبات العقارية 33% والإجرائية 29%. و قال البنك الإفريقي للتنمية، في سياق متصل في نوفمبر 2017، إنه صادق على منح تونس قرضا قيمته 122 مليون يورو (357,773 م.د.ت) لاستكمال تمويل مشروع ربط الطرقات شمال تونس. وهو ما اعتبره وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، زياد العذاري، أن استثمارات البنك الافريقي للتنمية لسنة 2017 كانت "قياسية، وان استثمارات البنك بلغت على امتداد 40 سنة حوالي 7ر8 مليار دولار شملت عديد القطاعات ذات الاولوية، وفق بلاغ صادر عن الوزارة. هذا وتعهدت الحكومة بتخصيص 70 بالمائة من ميزانية التنمية لفائدة الجهات الداخلية ، وفق ما أكده وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي السابق محمد الفاضل عبد الكافي في اطار التمييز الايجابي بين الجهات. وكانت حكومة المهدي جمعة استحدثت كانت فريق عمل، في محاولة لإيجاد حل لتلك المشاريع المعطّلة وقام خلال عام 2014 بزيارات ميدانية لكل ولايات الجمهورية لجرد كل المشاريع، وخلص إلى أن المشاريع العمومية القائمة والجديدة إلى نهاية شهر أوت 2014 مثلت 15987 مشروعا بكلفة إجمالية تقدر ب16467 مليون دينار منها 2716 مشروعا جديدا تضمنته ميزانية الدولة لسنة 2014 بكلفة إجمالية تقدر ب 1767 مليون دينار، وتم حصر حوالي 580 مشروعا معطّلا. وينتقد خبراء الاقتصاد المنوال التنموي التونسي، ويؤكدون أن يشهد مواطن خلل عديدة خاصة بعد أن أثبتت المصادر القديمة محدوديتها في الاستجابة الى عديد التحديات خاصة المتعلقة منها بالتشغيل وعدم التوازن بين الجهات وغياب العدالة الاجتماعية بين الفئات وكذلك غياب الحوكمة الرشيدة. ويرون بأن هذا المنوال الذي انخرطت فيه البلاد التونسية منذ بداية السبعينات وخاصة منذ أواسط الثمانينات مع برنامج الإصلاح الهيكلي مثل ارتهانا للاقتصاد التونسي للأقطاب الاقتصادية العالمية وللمؤسسات المالية الدولية، حيث أصبح اقتصادا طرفيا تابعا مستقطبا للاستثمارات الهشة ذات القيمة المضافة المحدودة وذات التشغيلية غير المستقرة على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشغالين.