من المتوقع ان تُعيد الانتخابات البلدية تشكيل ملامح و خارطة المشهد السياسي في تونس ، خاصة و ان هذا الاستحقاق المرتقب سيكون مقياسا لمعرفة حجم كل حزب و سيعطي انطباعًا اوليّا عن مآلات الانتخابات التشريعية و الرئاسية في سنة 2018 . و بدت معظم القائمات الحزبية باستثناء حزبي النهضة و النداء متعثرة و مرتبكة ، و لم يتمكن جلها من تغطية نصف الدوائر الانتخابية و التي يبلغ عددها (350 دائرة) ، و عجزت أحزاب كثيرة ذات تمويل ضخم إما عن ترشيح قوائم تحمل اسمها (مثلا حزب البديل التونسي الذي أسقطت كلّ قائماته الحزبية)، فيما فشل زعماء باقي الاحزاب في تقديم حصيلة من القوائم تتلاءم مع ما كانوا يبشرون به لدى ظهورهم في وسائل الاعلام مشروع تونس (67)و افاق تونس (43) ، في حين لم تستطع الجبهة الشعبية (أكبر تكتل يساري ب11حزب) أن تمثّل نصف الدوائر الانتخابية (119 قائمة)،و لم يتمكن المنشقين عن نداء تونس من جمع أكثر قائمة يتيمة تم اسقاطها بعد الفرز الاولي ( تونس اولا و حزب المستقبل ) ، فضلا عن فشل التكتلات الانتخابية كالاتحاد المدني (11 حزبا) في تحقيق تمثيل انتخابي يتماهى مع حجمها (34 قائمة). واختلفت قراءات المحللين بشأن عجز أحزاب المعارضة في تأمين النصاب الكافي لمعظم الدوائر الانتخابية، فيما ألقت بعض هذه الأطراف السياسية باللوم على القانون الانتخابي الذي يتضمن "شروطا صعبة"، على حد قولهم. فيما يعزو محللون هذا الفشل إلى عدم تماسك تجارب الائتلافات بين الأحزاب القريبة فكريا، فيما يرى آخرون أن ضعف أحزاب المعارضة يعد سببا رئيسيا في هذه النتائج. و لاحظ المحلل السياسي، عبد الجليل معالي، أنّ هذه المسألة تعود إلى ضعف الأحزاب المعارضة وركونها إلى العمل الموسمي المناسباتي، بدل اهتمامها بالعمل متوسط وطويل المدى، الذي يراكم التجارب ويمتن صلة الحزب بجماهيره ويعزز مصداقيته". فالمشاركة الضعيفة في الانتخابات البلدية القادمة، بحسب معالي، تُعد "دليلا على أن المشهد السياسي التونسي يعيش أزمة عميقة تقوم على انعدام الثقة لدى الناخبين، في ما يمكنه أن يحدثه الاستحقاق المقبل من تغيير، وفي عدم ثقة الناخبين في الأحزاب السياسية". وقبل شهر من البدء الفعلي للحملات الانتخابية التي ستنطلق وفق روزنامة هيئة الانتخابات في 15 أفريل القادم، رجّح مراقبون انقسام المشهد خلال الحملات إلى شقين، أولهما إمكانية عودة الاستقطاب الثنائي بين نداء تونس والنهضة وثانيهما بناء أحزاب المعارضة برامجها الانتخابية على مناهضة النهضة و النداء . و في تعليقه على الموضوع ،قال القيادي بحركة النهضة عبدالحميد الجلاصي،"النهضة قد تجد نفسها في طريق مفتوح ومريح لخوض الانتخابات البلدية ليس بسبب تمترسها أو نتيجة ما تُتهم به بل بسبب ضعف الأحزاب المنافسة لها". ووصف الجلاصي الأحزاب المنافسة لحزبه في الانتخابات البلدية بأحزاب المناسبات داعيا إياها إلى المزيد من العمل والمثابرة لأن عدم التوازن السياسي لا يخدم أي طرف في البلاد. وأكد القيادي بحركة النهضة أن القانون الانتخابي يتضمن العديد من النواقص والتعقيدات التي صعّبت عمليات تشكيل القائمات الانتخابية بالنسبة لكل الأحزاب وخاصة المنافسة سياسيا وأيديولوجيا لحركة النهضة. وتهدف الانتخابات المقبلة إلى تشكيل مجالس بلدية تضم أكثر من 7 آلاف ممثل محلي منتخب، في 350 دائرة بلدية لتحل محل النيابات الخصوصية التي أدارت الشأن البلدي منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي.