برز إلى سطح الأحداث في تونس منذ إندلاع الثورة ضدّ نظام المخلوع زين العابدين بن علي شبه إجماع بين أغلب الفاعلين في المشهد العام على وجوب تشريك الشباب والأجيال الجديدة في إدارة الشأن العام وتمكينهم من التجربة ومن مقومات القوّة التي تؤهلهم للعب أدوار في المستقبل عبر تمكينهم من تولي مسؤولية في الدولة وفي الأحزاب والجمعيات على حدّ سواء، غير أن نسب المشاركة في الإنتخابات التي إنتظمت بالبلاد بعد الثورة وكذا نسبة تمثيلية الشباب داخل المجلس الوطني التأسيسي وحتى في صفوف قيادة الأحزاب السياسية والجمعيات ظلّت ضعيفة جدّا. في تونس الثورة التي منح فيها الدستور الجديد للبلاد الأجيال القادمة هيئة دستورية تسهر على ضمان حقوقهم يطرح بقوّة سؤال عزوف الشباب عن الحياة السياسية وعن الشأن العام، سؤال أسال الحبر كثيرا غير أن أحزابا قليلة تقدّمت خطوات نحو تشريك الشباب فعليا وتمكينهم من كسب التجربة ومن المشاركة في صناعة القرار بأشكال ومن مواقع مختلفة وعلى رأس هذه الأحزاب حركة النهضة التي حدّدت نسبة هي الأعلى للنساء في قيادتها وللشباب أيضا. في السنوات الأخيرة تشهد حركة النهضة التونسية مسار تطوّر سريع على مستوايات مختلفة كرس المؤتمر العاشر للحركة أبرز عناوينه ومقوّماته ولا يقتصر الأمر على الجانب السياسي إذ يتولّى الأمانة العامة للحركة شاب وهو في نفس الوقت وزير بالحكومة الحالية زياد العذاري كما أنها فتحت المجال بشكل واسع أمام الشباب للمشاركة الفاعلة على غرار تعيين السيدة الونيسي من كتابة دولة ضمن الفريق الحكومي ممثلة عن حزبها. صحيح أن على الشباب أن يفرض نفسه بشكل من الأشكال كقوة فاعلة في المشهد سواء داخل الأحزاب أو في أطر كثيرة أخرى وصحيح أن عزوف الشباب على العملية السياسية في البلاد موطن ضعف وخلل كبير وجب التنبه إليه ولكن مواضع كثيرة أخرى وجب النظر في إصلاحها أيضا في علاقة بالشباب الذين تم الدفع بهم إلى الواجهة. كاتبة الدولة السيدة الونيسي صاحبة الإجازة في التاريخ والماجستير في العلوم السياسية مكّنتها الثورة من العودة إلى البلاد ومكنها الحجم السياسي والإنتخابي لحزبها من أن تكون ضمن الفريق الحكومي، تجربة تفترض المراكمة عليها وتدعيمها بأشكال مختلفة ولكنها لم تكن سهلة إطلاقا فقد واجهت الأخيرة منذ توليها إنتقادات لاذعة ذهبت إلى القول بأنها "صورة" جديدة ل"نساء النهضة" وخاصّة بأنها "الصورة الأكثر نمذجة". بعد أشهر من حظوتها بكرسي كتابة الدولة ومنصبها الحكومي أطلّت السيدة الونيسي من صفحتها الشخصية على شبكة التواصل الإجتماعي لتوجّه نفس الملاحظات والإنتقادات لنساء ترشحن على عدد من القائمات الإنتخابية للإستحقاق البلدي بعد سويعات من إنطلاق الحملات الإنتخابية معتبرة أن هناك متاجرة بصورة المرأة وتوظيفا سياسيا لها وهي التي كانت عرضة لنفس التهم من قبل. مادونته كاتب الدولة للتكوين المهني السيدة الونيسي أشبه بمحاولة كيّ كلّ الأطراف السياسية بنار سهام في كلّ الإتجاهات حتّى في إتّجاه حركة النهضة نفسها التي دفعت بها في الفريق الحكومي وفي قيادة الحركة قبل ذلك تماهيا مع توجهها نحو دعم المرأة والشباب وتكريس عناوين التطوّر التي تعيش على وقعها في السنوات الأخيرة. في ذات التدوينة وجهت كاتبة الدولة للتشغيل سيل من التهم المرسلة ابرزها جمع كل الاحزاب (بما فيها الاتلاف الحاكم) وحزبها طبعا حركة النهضة في سلة واحدة ورميها بتهمة خطيرة استخدام أساليب التجمع في حملتهم الانتخابية . ما يعرفه كل التونسيين ان سيدة الونيسي هي وجه أطل عليهم فجأة عبر شاشة القناة الوطنية في إلقاء كلمة لدقيقة تعرف بها عن نفسها كمرشحة لحركة النهضة عن دائرة فرنسا . في تلك الكلمة ظهرت شابة مضطربة خائفة من مواجهة الكاميرا حتى انها اخطأت في كل الكلمات المعدودة التي اصدرتها ومن صوت لها حينها لتكون عضوا في البرلمان كان يختار حزبها في الحقيقة،فَلَو لم تكن سيدة الونيسي ضمن قائمة حركة النهضة حينها ما كان احد اختارها و لما سمعنا لها ركزا في الحياة السياسية التونسية . أساليب التجمع عديدة و متعددة خلال حملته الانتخابية فهو لا يعتمد اَي اُسلوب للإقناع ولا يبذل اَي جهد لإظهار الانفتاح على الشباب و المرأة فقد كان الكل يهتف حينها "الله احد الله احد بن علي ما كيفوا حد ". أظهرت التجربة التي نعيشها في تونس ان بعض الشباب أعطيت لهم فرصة كبيرة لبناء مستقبلهم السياسي وتسلم المشعل عن الطبقة السياسية الموجودة بتراكم التجربة وعامل الخبرة الذي سيكتسبونه من موقعه المتقدمة التي منحتها لهم احزابهم بفضل مناضلين واصلوا الليل بالنهار لتكون احزابهم في المقدمة ولتكون سيدة الونيسي وغيرها ضمن الطبق السياسية الجديدة بمقعد مريح ضمن البرلمان او الحكومة للأسف بعض من هذا الشباب كان كالتفاحة التي سقطت عن شجرتها الام قبل وقتها ظننا منها انها نضجت لكنها في الحقيقة نزلت من الشجرة لترتطم بالقاع لتلقى مصير كل الفواكه الفاسد رغم مكان ينتظرها في المستقبل حين تنضج .